كعادته ، يجنح النائب وليد جنبلاط بين فترة وأخرى الى اطلاق المواقف ًالفاقعة ً التي تثير بلبلة واستغرابا بين اللبنانيين الذين ينبرون الى تحليل خلفياتها ومحاولة رصد الدوافع التي حدت بجنبلاط الى إطلاقها . آخر هذه المواقف ما قاله الزعيم التقدمي عن جبهة ًالنصرة ً من انها ليست تنظيما إرهابيا وهو ما ترك استياءً لدى العديد من الأوساط وخصوصا منها أوساط الثامن من آذار التي رأت في تصريح جنبلاط انه تحويلة من تحويلاته المعهودة والتي بات اللبنانيون معتادين عليها . وقد سبق كثرٌ النائب جنبلاط الى التمييز بين جبهة النصرة وتنظيم ًداعش ً ، وبرأي هؤلاء ان الاولى لا تزال تحافظ على هامش من الاعتدال يجعل منها في موقع المفاوض والمحاور المعقول والمقبول بالرغم من تصنيفها من قبل الدول الغربية على لوائح الإرهاب العالمي . فالجبهة التي يتزعمها ابو محمد الجولاني والتي تأسست بعد اشهر على انطلاق الثورة السورية ، الواضح انها تلقى تأييدا واسعا في صفوف المعارضين السوريين ، ولكن الذي ليس واضحا حتى الآن لماذا أقحمت نفسها بمبايعة ايمن الظواهري والمجاهرة بتأييد تنظيم ًالقاعدة ً فكان ان دمغت سجلها بنقطة سوداء أدخلتها في دوائر ملاحقة الغرب الاستنسابية . مصادر مقربة من النائب جنبلاط أوضحت لموقع ًلبنان الجديد ً مقاصد وخلفيات مواقفه الاخيرة بالقول ان جنبلاط يرى ضرورة في تغيير الخطاب القديم ، والمبادرة الى التعاطي مع الواقع السوري الجديد الذي تشكل جبهة النصرة مكونا أساسيا من مكوناته ، وبالتالي يجب التعامل معها على انها امر واقع لا يمكن تخطيه بمعزل عن أعمالها وتصرفاتها التي بالتأكيد لا يحبذها او يبررها الزعيم التقدمي . فنحن لم ننس _تقول المصادر المقربة من جنبلاط إياها _ان النصرة متورطة بخطف جنود من الجيش اللبناني وحتى انها أعدمت احدهم ، كما انها نفذت تفجيرات في الداخل اللبناني أدت الى استشهاد وجرح العشرات ، ولكن الذي يجدر التذكير به انها كانت من الأوائل الذين واجهوا وحاربوا الى جانب الجيش السوري الحر تنظيم ًداعش ً ، فضلا عن قتالها ضد النظام بشكل ضروس . أوساط مراقبة اخرى لفتت لموقعنا انه لا يجب الذهاب بعيدا في تحليل موقف النائب جنبلاط الاخير ، فهو يحاول رؤية الامور بواقعيتها سيما وانه يشدد على ان عناصر جبهة النصرة هم من أبناء الشعب السوري ولهم الدور الفاعل في الحدث السوري ، اضافة الى ان تقييم هذا الموقف بمعزل عن القلق الذي يحمله جنبلاط دائماً تجاه أبناء طائفته ، هو تقييم في غير محله . فالقلق الجنبلاطي مشروع - برأي تلك الأوساط - خصوصا وان جبهة النصرة تسيطر على مناطق سورية عديدة فيها الكثير من القرى والبلدات الدرزية كالقنيطرة مثلا ، من هنا يحرص جنبلاط على التمسك بالمسافة الحيادية والوسطية لضمان سلامة الطائفة الدرزية مهما كان شكل النظام السوري مستقبلا . على أية حال المعروف عن الزعيم التقدمي انه قارئ جيد لكافة الإشارات الصادرة عن المجتمع الدولي ، فانكفاء التحالف الدولي عن ضرب جبهة النصرة ، بعدما كان قد وجه الى مواقعها في ادلب ضربات موجعة مع بداية غاراته في العراق وسوريا ، واقتصار استهدافاته حاليا على مواقع ما يُسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ، لا شك ان له مدلولات وحسابات معينة يعتقد ان دول التحالف الغربي ستأخذها في الاعتبار ، عندما يحين وقت التفاوض والكلام الجدي حول ترتيب وتسوية الأوضاع في المنطقة ، وهو ما التقطه جنبلاط بشكل جيد ...