نقطتان بالغت وسائل الإعلام الرئيسة في التعامل معهما في ما يتعلق بالفائزة بجائزة نوبل للسلام مالالا يوسف زاي: الأولى تعمدت الوسائل التجاهل الكامل حيالها وهي ميول مالالا اليسارية والاشتراكية، والثانية أفرطت في الحديث عنها هي مستوى ترحيب الباكستانيين بفوز مواطنتهم الشابة بالجائزة.

 

 

المتابع لوسائل الاعلام لا يعثر على شيء تقريباً عن التوجه السياسي لمالالا رغم انها شاركت في المدرسة حزبية اشتراكية في وادي سوات ووجهت رسالة الى اجتماع للماركسيين الباكستانيين عقد قبل عام في مدينة لاهور اكدت فيها انها «على قناعة أن لا جواب (لأزمات باكستان) غير الاشتراكية»، داعية «كل الرفاق الى ايصال هذا الصراع الى خاتمته الظافرة». بالنسبة للناشطة الشابة، ترتبط مسألة التعليم والتربية التي قاد عملها فيها الى جائزة نوبل، بنظرة اوسع الى الازمات السياسية والاجتماعية في بلادها بل في جنوب آسيا. التعليم والسلام مع الهند وحل التناقضات الاجتماعية تترابط في رؤية مالالا لمستقبل باكستان.

 

 

المسألة لا تتعلق باعتقادات مالالا السياسية في زمن بات من المفترض فيه ان تكون حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي أصبحت من المُسلّمات والبداهات، بل في التجاهل المتعمد، في رأينا، لهذا الموقف من قبل وسائل الاعلام العالمية الكبرى.

 

 

ولا يصدر التجاهل هذا عن موقف مسبق مناهض للأفكار اليسارية التي عبّرت مالالا عنها فقط، بل يتجاوزه الى تحكم الصور النمطية والمسبقة بذهنيات المشرفين على صناعة الرأي العام الغربي. فالشابة التي تعرضت لمحاولة اغتيال من مسلحي «طالبان» المتطرفين، لا يمكن لها وفق تصور وسائل الاعلام إلا ان تكون ضحية مطلقة وصامتة في مواجهة العنف المتشدد. بكلمات ثانية، لا يمكن لمالالا أن تدعم بديلاً سياسياً على هذه الدرجة او تلك من التماسك والتكامل، فلا شيء في بلدان العالم المتخلف – وفق تصور وسائل الاعلام الغربية- إلا التشدد والتطرف وجز الرؤوس، والدليل ان الناشطة ما زالت تقيم في لندن حرصاً على حياتها المهددة في بلدها.

 

 

صحيح أن مجتمعات المنطقة الممتدة حتى باكستان، لم تقدم نماذج يُعتد بها عن البدائل التي يمكن تبنيها لاحباط تمدد النسخ الأسوأ من الاسلام السياسي، لكن الصحيح أيضاً أن أي مقاربة من الشعوب او المجتمعات تلك لتصورات جديدة تواجه دائماً بالتعتيم والرفض. الصورة المسبقة النمطية تُحكم سيطرتها على السلوك الغربي، فتتلاقى صناعة التطرف في الشرق مع أسواق واسعة وترويج كاسح له في الغرب. وكلنا «قاعدة» و»داعش» و»طالبان»، فهذا أسهل في التقبل بالنسبة الى المشاهد الغربي لنشرات الاخبار الذي لا يرغب في الكثير من التفكير بالعالم بعد نهار عمل طويل.

 

 

النقطة الثانية التي تناولها تقرير لمجلة «فورين بوليسي» يركز على جانب لا يقل أهمية وهو اختصار ردود الفعل الباكستانية بموجة كراهية عارمة موجهة ضد مالالا. لم يعن الابتهاج ورسائل الفخر التي وجهتها الحكومة الباكستانية للناشطة والاحتفالات في العديد من المناطق شيئاً لوسائل الاعلام التي ركزت على مجموعة من التغريدات المهددة من عتاة المتطرفين على موقع «تويتر».

 

 

مجدداً، يوفر هذا التركيز على الإعلام الغربي عبء التأمل في التركيبة السياسية والاجتماعية المعقدة ويزج عشرات ملايين الباكستانيين المتعددي الآراء والمشارب والميول في حوض التطرف الاسلامي الكاره لكل شيء في هذه الدنيا. فكيف لفتاة من وادي سوات ان تكون اشتراكية وكيف لبلاد لا تعرف إلا القتل أن تفتخر بالفوز بجائزة السلام؟