قبيل منتصف الليل بقليل، انتهى حفل العشاء الذي أقامته سفيرة لبنان لدى الامم المتحدة في جنيف نجلاء عساكر، على شرف الرئيس نبيه بري والوفد المرافق، في أحد مطاعم هذه المدينة السويسرية «المركبة»، حيث يمتزج هدوء نمط الحياة فيها مع صخب الكثير من قضايا العالم التي تُناقش في الفنادق المنتشرة حول ضفاف بحيرتها.
وبرغم الاجراءات الامنية المشددة التي تحيط برئيس المجلس الموجود في جنيف للمشاركة في أعمال مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، فهو اختار ان يعود الى مقر إقامته في الفندق القريب، مشيا على الأقدام.
بدا بري وهو «يتمشى» على الرصيف المحاذي للبحيرة الواسعة وكأنه يتنفس الصعداء و«ينتقم» من «الإقامة الجبرية» في عين التينة، حيث مساحة «النزهة» لا تتعدى حدود قاعة الاستقبال.
على الطريق، استعاد بري ذكريات مؤتمر الحوار الوطني في جنيف، أيام الحرب الاهلية. «هنا، كانت تحصل اجتماعاتنا...» قال رئيس المجلس، وهو يشير بأصبعه الى الفندق الذي استضاف المتحاورين آنذاك.
وهل يمكن ان يعيد التاريخ نفسه، فنستعين بجنيف مجددا لجمع القيادات اللبنانية المتخاصمة؟ ابتسم بري وأجاب: «لسنا بحاجة الى فنادق جنيف ولا حتى الى فنادق بيروت.. لدينا مؤسسات تستطيع ان تجمعنا وتنظم خلافاتنا.. المهم ان نتركها تعمل، فلا نعطلها، لسبب من هنا او هناك».
وإذا كانت سويسرا معروفة بحيادها، إلا ان ذلك لم يمنع وصول أصداء ظاهرة تنظيم «داعش» إليها، علما ان طريقة مقاربة هذه الظاهرة من قبل العديد من الديبلوماسيين الاوروبيين المعتمدين هنا، تتسم بالاختزال والسطحية، كما تقول شخصية لبنانية على صلة بهؤلاء.
لكن المفارقة، وفق معطيات الشخصية ذاتها، ان بعض العرب حاولوا مؤخرا عبر لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف وضع «حزب الله» في مصاف «داعش»، لجهة التصنيف الارهابي، مع «تحييد» جبهة «النصرة»، إلا ان الجهد اللبناني والرفض الاوروبي حالا دون نجاح هذه المحاولة!
ومن آثار تسرب شبح «داعش» الى جنيف، لجوء السلطات السويسرية الى تعزيز الاجراءات الامنية المتخذة لحماية بعض رؤساء الوفود، ومن بينهم الرئيس بري الذي وُضعت بتصرفه سيارة مصفحة وعناصر إضافية للحماية شخصية.
وخلال مسير بري نحو مقر إقامته، سئل عما إذا كان مصير التمديد لمجلس النواب قد حُسم، فلفت الانتباه الى ان وزير الداخلية أعلن صراحة عن عدم توافر شروط تنظيم الانتخابات النيابية ضمن الفسحة الزمنية الدستورية، ما يستوجب في الوقت الضيق المتبقي حصول تمديد تقني لترميم المهل الواردة في قانون الانتخاب ومن ثم إجراء الانتخابات، إذا تقرر المضي بها.
ويضيف: لا أخفي ان الموقف الاخير للرئيس سعد الحريري الذي أكد فيه ان «تيار المستقبل» لن يشارك في الانتخابات النيابية قبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، فرض معطى جديدا، لا يمكن تجاهله، انطلاقا من قناعتي بعدم جواز إجراء الانتخابات البرلمانية في ظل غياب أي مكوّن لبناني عنها، والامر لا يتعلق حصرا بـ«تيار المستقبل»، إذ إنني كنت سأتخذ الموقف ذاته، لو قرر اي مكوّن آخر مقاطعة الانتخابات.
ويؤكد بري انه ينطلق في مقاربته هذا الملف من مقتضيات المصلحة الوطنية، وما تتطلبه في هذه المرحلة، ملمحا الى ضرورة تفهم موقف «المستقبل» من الانتخابات ومراعاته، ولو كنا نخالفه، وذلك لتحسين شروط المواجهة ضد التطرف.
ويشير الى انه والعديد من أعضاء كتلته النيابية فازوا أصلا بالتزكية بعد تقديم ترشيحاتهم، وبالتالي لا مشكلة لدي مع الانتخابات، بل أنا في الاساس من المتحمسين لها، لكنني لا أحدد خياراتي الاستراتيجية على اساس حسابات شخصية، خصوصا عندما تكون الثوابت الميثاقية على المحك.
ويؤكد انه تعمد تأخير جلسة التشريع الثانية، حتى تكون الصورة النهائية لاحتمالي التمديد او الانتخابات قد تبلورت، ليبنى على الشيء مقتضاه، موضحا ان لقاء عُقد بين الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري، في أعقاب ما أعلنه سعد الحريري حول المقاطعة، وتعليقي على هذا الطرح.
وبرغم سخونة الملفات السياسية، إلا ان أكثر ما يقلق بري هو الوضع الامني، قائلا: ما يشغل بالي حقا الواقع الامني، لا الامور السياسية التي اعتدنا على تعقيداتها وإفرازاتها. وينبه الى ان ما يتعرض له الجيش من اعتداءات متكررة أمر خطير، يجب التصدي له وطنيا، لان المؤسسة العسكرية هي ضمانة الجميع في مواجهة الارهاب الذي يستهدف الكل.
وكانت أعمال المؤتمر الـ131 للاتحاد البرلماني الدولي قد انطلقت صباح امس بالاجتماعات التحضيرية للجان المختلفة وللمجموعات البرلمانية. وشارك عن الوفد اللبناني النواب: عبد اللطيف الزين ومحمد قباني وإميل رحمة الذين حضروا اجتماع المجموعة البرلمانية الآسيوية، فيما حضرت النائب جيلبرت زوين اجتماع اللجنة البرلمانية النسائية.
وأقرت المجموعة الآسيوية مشاريع قرارات عدة، أبرزها إدانة الإرهاب والتطرف بالاجماع. وقدم رحمة مداخلة نبه فيها الى ان الحرب الدائرة في سوريا أصبحت على حدود لبنان، وحذر من خطورة تزايد أعداد النازحين السوريين والعراقيين الى لبنان الذي بات يحتاج الى مساعدة دولية لتحمل أعباء هذا النزوح، متوقفا عند خطورة تهجير مسيحيي الموصل والايزيديين في العراق وأكراد سوريا.
وفيما أكد الوفد السوري ان الارهابيين لا يميزون بين الطوائف ولا يرحمون أحدا، خصوصا أبناء طائفتهم، جازما بتحقيق الانتصار عليهم، كان لافتا للانتباه ان الوفد الأندونيسي هو من القلائل الذين استحضروا قضية فلسطين، وسط طغيان «الهاجس الداعشي» على المجتمعين، منددا بالارهاب الذي يُمارس ضد الشعب الفلسطيني.