من جلسة فاشلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية الى أخرى، يزداد إحباط اللبنانيين، وبالاخص المسيحيين، من زعامات لا ترقى الى مستوى التحديات التي يحذرون منها، لكن من دون السعي الى مواكبتها بالحد الادنى المطلوب فيسعون الى تجاوز مصالحهم الشخصية او السياسية الى تأمين انتخاب رئيس يستطيع لملمة البلد في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخه. لم يعد خافيا ان لا انتخابات رئاسية في الافق ولا من يتحدث عنها، لا في الكواليس ولا علناً ولا باسماء مرشحين محتملين في اطار تسوية ما. لم تعد الانتخابات الرئاسية على طاولة البحث ونقطة على السطر. اذ قضت التطورات الناجمة عن توسع حجم تنظيم الدولة الاسلامية والحرب عليها بعد التطورات الدرامية في كل من العراق وسوريا، الى جانب خلافات اقليمية مستعرة على وقع مذهبي في المنطقة ، على اي بصيص امل بحصول انتخابات في المدى المنظور، فيما يسعى العاملون على خط التمديد لمجلس النواب خجلاً من اجل ربط فترة التمديد بانتخاب رئيس جديد للجمهورية منعاً للاحراج الناجم عن حماسة لابقاء الستاتيكو السياسي قائماً في البلد بولاية كاملة ممددة في نهاية الأمر لمجلس النواب لكن من دون القدرة للنواب الذي أمنوا استمراريتهم كما امنوا الاستمرارية لمواقع طائفية تمثيلية، على احداث تغيير في المشهد السياسي بانتخاب رئيس للجمهورية.

ولو قيّض لمؤسسات استطلاع للرأي تتمتع بالكفاية والاستقلالية اللازمتين استطلاع اللبنانيين عن مخاوفهم في هذا الاطار لأمكنها تقديم صورة مختلفة عن تلك التي يحاول الزعماء تلمّسها عبر مناصريهم او مؤيديهم. اذ تبرز تساؤلات متعددة على ضوء ما يجري في المنطقة من تطورات قد تسفر عن تغيير في الكيانات السياسية وخصوصاً على ضوء تطورات يتصل البعض منها في شكل خاص بأوضاع المسيحيين على رغم ان لكل بلد خصوصيته التي تختلف عن اوضاع المسيحيين في بلد آخر. فالمخاطر المحدقة بالبلد تثير ذعر ابنائه على كل المستويات، فيما تتسم المواقف السياسية المتصلة بموضوع الانتخابات بترف سياسي يثير الاستغراب والدهشة، اولاً حول مدى ثقة الزعماء، المسيحيين منهم في شكل خاص، باحتمال بقاء الامور على حالها في لبنان فيما الاوضاع في المنطقة الى تغييرات جذرية محتملة وثانيا بعدم ترجمة الرؤية للمخاطر بتوحيد الرؤية المسيحية والصف المسيحي على الاقل في هذه المرحلة المصيرية. اذ ان اللعبة السياسية في لبنان تدار حتى الآن بالادوات نفسها في ظل حرص على المحافظة على استقرار لبنان انطلاقاً من الحفاظ على اللعبة السياسية من دون تعديل. لكن وفي ظل متابعة دقيقة للتحولات الجارية في المنطقة لن يكون واضحاً اذا كان يمكن ان تستمر الآلية السياسية وفق القواعد القائمة. وهو ما تتمّ اثارته احياناً عبر الحديث عن السعي الى مؤتمر تأسيسي او نفيه. الا ان الواقع المتحول في المنطقة قد لا يبقي على اي ضمانات. والمسؤولية، وان كانت نسبية الى حد كبير وتقع في خانة احد الافرقاء اكثر من الافرقاء الآخرين والبعض يقول دونهم، فهي ستكون تاريخية بكل ما للكلمة من معنى لجهة نتائجها وتداعياتها أكان هؤلاء الافرقاء فعلاً من يتحمل المسؤولية المباشرة عن تعطيل انتخاب رئيس جديد أم هم فقط في الواجهة يغطون هذا التعطيل لمصلحة اطراف اقليميين.
يستمر البعض في القول ان الفراغ الرئاسي ليس جديداً ولا داعي للخوف من طول مدته. لكن المنطقة لم تكن في أي مرة على شفير التحولات كما هي راهناً.