قال المرجع الشيعي العراقي آية الله السيد حسين اسماعيل الصدر إن ما سمي بالربيع العربي قد ادى الى تساقط القيم والمبادئ الوطنية والاخلاقية والايمانية واوضح أن أنظمة الاسلام السياسي التي انبثقت عنه قد اساءت الى الدين واعطت صورة مؤلمة ومرعبة ومخيفة عن الاسلام .. ورفض بشدة استخدام الدين أو المذهب كمفردة سياسية، ودعا الى اقامة افضل العلاقات مع الدول العربية والاقليمية.

وأضاف في مقابلة مع “إيلاف” التي التقته في لندن خلال زيارته اليها للقاء ابناء الجالية العراقية في مقر مؤسسته للحوار الانساني بالعاصمة البريطانية أن تحول الشد الطائفي في البلاد الى مواجهات عنفية هو نتيجة للخلافات بين الاحزاب والقوى السياسية ونزاعاتها على المناصب .. وقال إنه متفائل بحكومة حيدر العبادي الجديدة ودعاها الى مصالحة حقيقية بين جميع القوى والمكونات العراقية والركون الى تنازلات متبادلة لتحقيق هذه المصالحة.

وفي ما يلي نص الحوار

ماهي اسباب تحول الخلافات الفكرية الشيعية السنية الى عنف دموي ؟ ومن يقف وراء ذلك؟
إن تحول الشد الطائفي في البلاد الى مواجهات عنفية حالة استثنائية ليست في اصل المجتمع العراقي .. فالعنف الذي يمارس من هنا وهناك هو نتيجة للخلافات بين الاحزاب والقوى السياسية ونزاعاتها على المناصب .. فهي لذلك سعت الى تعميق مسألة الطائفية وتوسيع بعض الاختلافات بين المكونات العراقية ثم دفعت باتجاه هذه الممارسات العنفية بين المواطنين باسم الطائفية والمذهبية والعرقية وباسم الديانات.
وهذا الوضع يمكن التخلص منه بمصالحة وطنية حقيقية بين الكيانات السياسية وهي مصالحة مطلوبة ايضًا بين المذاهب أو المكونات والاحزاب وحدها وانما ايضا يجب أن تشمل حتى الذين خرجوا على القانون في وقت من الاوقات ولكن شرط أن لا تكون ايديهم ملطخة بالدماء.
وحين يكون هناك صدر واسع لتقبل الآخر والحوار معه ستنتهي هذه الازمة ليعود الشعب العراقي الى اصله وتعايشه واخلاقياته الايمانية والوطنية .

كيف تنظرون الى الحكومة العراقية الجديدة، وهل تتوقعون منها خيرًا للعراق؟
.. نحن نتفاءل بها خيرًا ونقول إن على رئيس الوزراء أن يفتح باب المصالحة الوطنية بشكلها السليم وأن لاتكون مصالحة صورية وأن يلتفت لمعالجة اسباب ابتعاد هذا المكون عن المكون الاخر .. وأن يرى اسباب ابتعاد هذا الكيان السياسي عن الاخر وتكون هناك معالجة موضوعية لتحقيق التقارب بين هذه المسميات جميعها واعطاء كل ذي حق حقه . وهذا التقارب يتحقق ايضًا بنوع من التنازلات المتبادلة وهي تنازلات لن تنتقص من اي طرف لانها لا تمنح الى اطراف غريبة، وانما هي للعراقيين انفسهم وفي ما بينهم.

ماهي برأيكم اسباب فشل المرحلة الماضية بحيث تركت الحكومة السابقة السلطة والعراق ربعه محتل من “داعش”، والخصومات بين المكونات مستعصية والقتل الطائفي متصاعد وعزلة العراق تخنق البلاد؟
.. الفشل اصاب المرحلة السابقة لان المراكز المهمة في الدولة لم تتولَّها الشخصيات ذات الكفاءة والنزاهة والاخلاص ولذلك لم يتمكنوا من تقديم الخدمة المطلوبة لمواطنيهم وبلدهم، وهذا هو نتيجة للترشيح غير السليم لهذه الشخصيات لتولي المناصب المهمة من قبل الكيانات السياسية التي يرى بعضها أن الولاء السياسي والحزبي والكتلوي والمناطقي هو الاساس وليس الكفاءة والنزاهة والوطنية .

ماهو المطلوب لفك عزلة العراق الخارجية مع المحيط العربي والاقليمي؟
… العراق بحاجة الى علاقات متينة مع الدول العربية بشكل خاص ومع دول الجوار ايضًا وحل الخلافات مع الدول الخليجية .. وسبق وأن التقيت عدة مرات مع سفير الامارات في بغداد فوجدت فيه كل الحب للعراق والامل بتجاوز اوضاعه الحالية والاستعداد للمساهمة في أي دعم مطلوب يحتاجه ولذلك لابد من العمل الجاد الكفيل بإعادة افضل العلاقات مع الدول العربية التي لايمكن ان نستغني عنها كما انها لا يمكن أن تستغني عن العراق بإعتباره رئة الامة العربية.

الربيع العربي افرز حكومات ونظم من تيارات الاسلام السياسي لكنها سرعان ما تهاوت.. فمن المسؤول عن ذلك هل هو الرفض الداخلي أم العداء الخارجي أم اخطاء القائمين على هذه التيارات انفسهم؟
.. اولا انه ليس ربيعًا وانما يمكن تسميته بالخريف العربي لانه قد ادى الى تساقط القيم والمبادئ الوطنية والاخلاقية والايمانية ومن المؤسف أن ما سمي بالربيع قد شوّه الاسلام والدين والرسالات الاسلامية واعطى صورة مؤلمة ومرعبة ومخيفة عن الاسلام والدين.
وأنا ارى أن من سيّس الدين قد اهانه، ومن سيّس المذهب فقد اساء اليه .. فالدين لايجب ان يكون مفردة سياسية لانه اعلى من السياسة، فهو محبة للجميع وليس من الصائب أن يكون طرفًا سياسيًا ويدخل في نزاعات مع الاطراف الاخرى .. ولذلك فإن سلبية العاملين بإسم الدين تنعكس على الدين نفسه وليس على اولئك المسيئين، ومن هنا نتمنى أن لا يتم استخدام الدين أو المذهب كمفردة سياسية .

تتصف مرجعيتكم بالوسطية والاعتدال وكذلك مرجعية الازهر الشريف .. فهل هناك تعاون أو تنسيق بين المرجعيتين؟
… التعاون والعلاقات ين مرجعيتنا ومشيخة الازهر برئاسة السيد احمد الطيب قائم ونحن نحمل له كل التقدير والاعتزاز ولدينا اتصالات هاتفية متكررة معه، وقد شددنا على ساعده حين طرح مسألة الدولة المدنية وضرورة الابتعاد عن تسييس الاسلام والتساوي بين جميع مكونات المجتمع. وقد وجهت له الدعوة لزيارة العراق فاستجاب لها لكن الظروف في العراق عرقلت لحد الآن القيام بهذه الزيارة.
ونحن مستمرون بدعم الازهر والتنسيق معه بإعتباره ممثلاً للخط الاسلامي الوسطي المعتدل القادر على حمل الرسالة الاسلامية .. ونحن نشجع على أن تكون للازهر المساحة الواسعة في العالم العربي والاسلامي، بل وفي العالم كله، لاننا بأمس الحاجة حاليًا لاظهار الاسلام على واقعه الانساني والثقافي .

ما هي آخر نشاطات مؤسسة الحوار الانساني التي تقودونها في داخل العراق وخارجه، وما هي خططها المستقبلية؟
إن مشاريع مؤسسة الحوار الانساني في العراق في توسع وتطور مستمرين وانجزنا الكثير من المشاريع المهمة على الساحة العراقية ومن اهمها : مؤسسة تنمية تطوير قابليات الشباب ويشرف عليها متخصصون .. كما انشأنا حديثًا مؤسسة “صدى العراق للتنمية الفقهية والحوزوية” في النجف الاشرف وادخلنا فيها مناهج لتعليم اللغة الانكليزية والحاسوب والانترنت وعلم النفس والاجتماع على اعتبار أن حامل الرسالة الدينية يجب أن يعرف كيف يتعامل مع الفرد والمجتمع بشكل صحيح وهناك اكثر من الفي طالب سجلوا في هذه المؤسسة.
ومن التشكيلات المهمة التي قمنا بتأسيسها مؤخرًا أيضًا هي منظمة “عراق بلا مخدرات” للتصدي لغزو المخدرات للعراق وبشكل واسع وغير طبيعي وهي تضم مجموعة من الاطباء والمختصين في اعراض الادمان على المخدرات حيث يقومون في البداية بمعالجة المدمن بالنصائح والارشاد الديني والانساني والاخلاقي .. وتقوم المؤسسة بالتنسيق ايضًا مع الجهات الرسمية المختصة مثل وزارة الصحة والتربية والتعليم العالي من اجل القيام بالتثقيف الهادف لانقاذ الشباب من السقوط في براثن آفة المخدرات.
اما بالنسبة لنشاطات مؤسسة الحوار الانساني في خارج العراق، فقد افتتحنا مركزنا الحالي في لندن، وآخر في استراليا ونحن ندرس طلبات فتح مراكز أخرى في بلدان عدة منها مثلا المانيا. كما اسسنا مؤخرًا “المركز الابراهيمي للحوار والتقريب بين الديانات”.. وهي مؤسسة انسانية ووضعنا أسسًا لها حتى لا تكون حوارية فقط ما بين ابناء الديانات، وانما ايضًا من اجل الوصول الى المشتركات بين الاديان وتثبيتها فهو حوار للتقريب.. ولذلك وضعت كتابًا اسميته “مدرسة ابراهيم للانبياء” وآخر هو “اسرار الكون في الكتب السماوية” .. ثم كتاب “الوصايا الموحدة للديانات السماوية”.

يذكر أن المرجع الشيعي آية الله السيد حسين أسماعيل الصدر يعتبر من المراجع العصرية بحيث تتوافق آراؤه ومواقفه الاصلاحية مع متطلبات الراهن من احتياجات الناس وتعاملهم في الشؤون الدينية والدولية. وللصدر مركز ثقافي حواري في لندن يحمل اسم “مركز الحوار الانساني” تلقى فيه محاضرات اسبوعية فكرية حوارية حول مختلف القضايا الراهنة من قبل مثقفين واعلاميين ومفكرين وفنانين عراقيين وعرب وبريطانيين ينتمون الى مختلف الاتجاهات والافكار، حيث عرف عن الفقيه الصدر تشجيعه للحوار والاستماع الى الرأي الآخر واحترامه. والمؤسسة هذه فكرية رائدة في مجالها تهتم بفتح آفاق الحوار بين المجتمعات والشخصيات والمؤسسات الفكرية في العالم بمختلف إتجاهاتها الفكرية والدينية من اجل تحويل الحوار الى ظاهرة انسانية عالمية تغطي جميع المساحات المعرفية وإحداث تفاعل حضاري بناء بين الأفراد والجماعات.

 

د. اسامةمهدي (أيلاف