لا شك في أن انضمام روسيا والجمهورية الإسلامية الإيرانية الى "التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب" يعطيه زخماً وربما يمكِّنه من احتواء التنظيمات التكفيرية والعنفية. لكن لا شك أيضاً في أن النجاح المذكور سيبقى جزئياً، وفي أن تدمير هذه التنظيمات سيبقى صعباً إذا اقتصر العمل العسكري "للتحالف" على غارات جوية. ذلك أن الخسائر التي يوقعها بـ"الإرهابيين" لا تقضي عليهم، بل تجعلهم يخوضون حرب كرّ وفرّ سنوات طويلة. طبعاً تدرك الإدارة الأميركية هذا الأمر، ولذلك قررت مع شركائها تدريب خمسة آلاف من المعتدلين الثائرين على الأسد، وتزويدهم أسلحة لمواجهة مقاتلي "داعش" و"النصرة" وأمثالهما في سوريا. لكن هذا القرار صائب جزئياً أولاً لأن عديد "الإرهابيين" يراوح بين 20 و30 ألفاً، ولأنهم مدرّبون ومموّلون ومسلّحون جيداً ومؤدلجون دينياً الأمر الذي يجعلهم يحاربون حتى "الاستشهاد". وخمسة آلاف مقاتل معادٍ لهم لا يستطيعون أن يفعلوا الكثير. وثانياً، لأن الحرب بين "داعش" و"النصرة" والثوار المعتدلين سيفيد نظام الأسد الذي يمتلك جيشاً نظامياً صقلته مواجهات السنوات الثلاث الأخيرة وسلاحاً حديثاً ودعماً روسياً وإيرانياً. وهذه الفائدة غير مباشرة إذ يكفي تقاتل الثوار المعتدلين والثوار الإرهابيين لإعطاء الفرصة للأسد كي ينقضّ عليهم.
طبعاً يعرف المسؤولون الأميركيون هذا الأمر، ولعلهم يحاولون إيجاد حل له. لكنهم لا يبدون مستعدين حتى الآن للانخراط في حرب برية داخل سوريا أو خارجها. والسبب الأبرز لذلك هو الخسائر البشرية المتنوعة التي تسببت بها لبلادهم حربا العراق وأفغانستان، والتي جعلت غالبية الشعب الأميركي ترفض أي تورط عسكري في الخارج. لكن هناك أسباباً أخرى تداولها ليس علنياً، قد يكون أهمها اقتناع الإدارة في واشنطن بأن انتشار "الأصولية" في العالم المسلم، وعودة المسلمين إلى المواجهة والقتال جراء مظالم كثيرة لحقت بهم على يد الغرب وحليفته إسرائيل، كما على أيدي حكّامهم وأنظمتهم، اقتناعها بأن الشعوب المسلمة لن تقبل أبداً جيوشاً مسيحية (صليبية) على أراضيها وإن لمساعدتها على تحقيق أهدافها. وقد بدأ المسؤولون في واشنطن منذ سنتين على الأقل درس إرسال قوات مسلّحة غير عربية من أندونيسيا مثلاً إلى الشرق الأوسط إذا استوجبت التطورات فيه ذلك. لكن قراراً في هذا الشأن لم يتخذ ربما لأن المسؤولين في الدول الإسلامية غير العربية بدأوا يواجهون داخلها منظمات متطرّفة إسلامياً وعنفية. وهم يخشون توسعها. ويبدو أن ماليزيا انضمت إلى هذه الدول.
كيف يمكن حلّ هذه المشكلة إذاً؟
حلّها ممكن بالاستعانة بقوات من دول عربية مسلمة مثل الأردن والمملكة العربية السعودية قادرة بالتعاون مع "الثوار المعتدلين" على القضاء على "داعش" و"النصرة" وعلى إسقاط نظام الأسد في الوقت نفسه، أو على الأقل على إجباره على الذهاب إلى حل سياسي فعلي. وللمملكتين مصلحة في ذلك لأنهما معرضتان لخطر شديد من الإرهابيين سواء من جهة سوريا أو من جهة العراق ومعه إيران. طبعاً يمكن الاستعانة بقوات عربية من مصر والجزائر والمغرب. لكن ذلك لن يكون سهلاً لأن الأولى تخوض حرباً ضد الإرهاب المتصاعد فيها، ولأن الدولتين المغاربيتين معرضتان مثل غيرهما لاضطرابات داخلية ولنمو الإسلاميين المتطرفين فيهما.
ماذا عن الاستعانة بقوات إسلامية غير عربية؟
المقصود بالسؤال قوات إيران وتركيا المجاورتين للعالم العربي والمتداخلتين معه. ويعتقد متابعون كثيرون أن قوات تركيا "السنّية" رسمياً يمكن أن تتدخّل بقرار من "التحالف الدولي" لأسباب عدة منها حماية مصالحها واستقرارها المهدد جدياً من عدم استقرار سوريا. وتدخّلها يكون لإنهاء "داعش" و"النصرة" ومعهما النظام. أما قوات إيران فلا تستطيع أن تتدخّل في حال الحرب وحتى في حال السلم (قوات حفظ سلام) لأن المناطق التي تقبلها قد تكون قليلة.
كلمة أخيرة، لم يتم تناول موضوع العراق هنا لأنه يختلف بعض الشيء عن سوريا، ففيه الأكراد وجيشهم، وفيه الشيعة وميليشياتهم والجيش الذي كانوا يسيطرون عليه والذي قد يكون مفيداً إذا أعيد بناؤه على أسس وطنية سليمة. وفيه عشائر السنّة وميليشياتهم التي قد تحارب "داعش" كما حاربت "القاعدة" إذا اطمأنت إلى "استقلاليتها". إلا أن ذلك كله لا يلغي احتمال التورّط الأميركي في حال فرضت ظروف إقليمية وتحديداً خليجية مستجدة ذلك.