ليس تنظيم "داعش" أو "جبهة النصرة" جيشاً نظامياً كي تستطيع دولة أو مجموعة دول متحالفة ذات نفوذ دولي واسع أن تلحق به هزيمة نهائية في حرب ساحقة تستعمل فيها ترسانتها العسكرية المتفوّقة على كل ما يمتلكه من أسلحة. وهو لا ينتمي الى دولة لها مؤسسات سياسية وادارية وقضائية وأمنية. واعلانه "دولة الخلافة" في المناطق التي احتلها قبل أسابيع في العراق والأخرى التي يسيطر عليها في سوريا لا يعني أبدا أنها قامت بمؤسّساتها كلها. ومحاولاته الايحاء بخطوات مجتزأة أنه يؤسس لإدارات معينة فيها لا تغشّ أحداً سواء من مؤيديه أو من أعدائه المصمِّمين على القضاء عليه. فضلاً عن أن ايحاءه عبر تحركات مقاتليه أنه صار جيشاً نظامياً أو أنه سائر وفي سرعة على هذه الطريق لا تبدو ناجحة على الاطلاق. وقد أثبتت ذلك الغارات الجوية التي شنّتها عليه الطائرات الحربية لـ"التحالف الدولي لمكافحة الارهاب" منذ تأسيسه قبل مدة قصيرة، إذ أجبرته على العودة الى "حرب العصابات" والى "التنظيم" الذي يعتمده من يخوضونها. وهو يقوم على خلايا مستيقظة على الجبهات وأخرى نائمة حيث يُفترض فتح جبهات، وعلى الابتعاد عن الهرمية في التنظيم. وقد بدا ذلك واضحاً بتغيير قيادات "داعش" في العراق كما في سوريا أماكن تمركزها وبتخفيف حواجزها، وبالامتناع عن التنقل في قوافل عسكرية مكشوفة، وبالتمركز في الأحياء الداخلية في المدن، وبالاحتماء بالسكان المدنيين من خلال استعمالهم دروعاً بشرية. لهذا السبب الحقيقي أعلاه يعتمد "التحالف الدولي" حالياً سياسة الاحتواء حيال "داعش" و"النصرة" وأشباههما. ذلك أن المطلوب هو أولاً منعهما من التمدّد في البلدين المذكورين أعلاه، وخصوصاً في العراق حيث أثبتت الحكومة المركزية قلة كفاية موصوفة سواء في منع تكوّن تأييد شعبي لـ"داعش" داخل مكوِّنه السني أو في التصدّي عسكرياً لمقاتلي "داعش" في المنطقة السنّية جراء انهيار ثلاث فرق عسكرية كانت موجودة هناك بسبب انعدام التدريب وعدم توافر السلاح المناسب والفساد المستشري في الصفوف، فضلاً عن التواطؤ عند البعض. والمطلوب ثانياً، هو الافادة من الحركة "الداعشية" المتنامي التأييد الشعبي لها لتحقيق أهداف عدة في وقت واحد. أولها عراقي ويقضي بالعمل جدياً لإقامة حكومة تضم كل مكوّنات العراق، وتلتزم بصدق اقامة العدل بينها وتطبيق الدستور الذي يسمح لكل منها في مناطقه بحكم نفسه في اطار لامركزي أو فيديرالي، وبتلافي سيطرة المكوّن الأغلبي عليه من دون أن يعني ذلك تقسيماً للدولة. اذ لا بد أن تبقى السياسة الخارجية والدفاع والنقد على الأقل من صلاحيات الحكومة المركزية. وثانيها اقليمي ويقضي باقامة توازن بين المحورين المتصارعين في المنطقة.
والانتصار لـ"داعش" في العراق أعاد شيئاً من التوازن الى ميزان القوى الذي كان في غير مصلحة السعودية. ثم أتى "الانتصار" الحوثي الزيدي الشيعي في اليمن ليخفّف من آثار الضربة العراقية على ايران الاسلامية. علماً أن الانتصارين ليسا نهائيين. فعلى المدى الطويل لن تبقى "داعش" ولا "النصرة" ولا التنظيمات المؤمنة بالعنف والتكفير والممارِسة لهما. كما لن يرى اليمنيون استقراراً اذ بدأت اشارات الحرب الأهلية تلوح. وهنا قد يكون مفيداً لأطراف الصراع تذكُّر حروب اليمن في ستينات القرن الماضي. أما ثالث الأهداف فهو العمل من أجل تهيئة الأجواء لحل سياسي في سوريا حيث عجز نظام الأسد حتى الآن، وعلى رغم الدعم السياسي والسلاحي الروسي له والدعم السياسي والعسكري والمالي والخبراتي والبشري الايراني من حسم الحرب الأهلية – المذهبية لمصلحته. علماً أن العجز عن الحسم ايضاً لازم "الثوار" بسبب اللادعم الأميركي وعلى رغم الدعم العربي المالي والسياسي، وكذلك بسبب خلافات دول المحور المؤيد لهم. والحل السياسي يعني انتهاء النظام (وهو انتهى من زمان) وخروج رأسه من السلطة وتكوين دولة جديدة. ولا يمكن النجاح في ذلك من دون مرحلة انتقالية يطبَّق خلالها، وبقبول الثوار والنظام، اعلان "جنيف 1" وأول خطوة فيه هي قيام حكومة انتقالية ذات تمثيل واسع وربما شامل تنتقل اليها صلاحيات مؤسّسات الدولة كلها بدءاً برئاسة الجمهورية.
هل ينجح "الاحتواء" الموقت لـ"داعش" و"النصرة" وأمثالهما؟ وما هي وسائل نجاحه؟ وهل ينتقل "التحالف الدولي لمكافحة الارهاب" في حال الفشل الى محاولة تدمير هؤلاء كلهم؟ وكيف يتم ذلك؟ وهل ينجح؟