التعاطف مع الثورة السورية على نظام الأسد في بلدة عرسال كما في لبنان كله بواسطة فريق 14 آذار بمسلميه السنّة ومسيحييه لا يزال كبيراً. لكن الاحتضان الذي أظهره بعض، مهم في الجهتين للقائمين بها، وخصوصاً بعدما تعسكرت وتحولت مسلحة، لم يعد قائماً بنسبة كبيرة، ولا سيما بعد "غزوة" البلدة المذكورة اعلاه التي قام بها تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" قبل أسابيع، والتي ما كان لها أن تنجح في البداية في احتلال البلدة لولا تواطؤ أحد العسكريين على حاجز عسكري، وامتناع آخر على حاجزٍ آخر عن إطلاق النار على "الغزاة" بعد إصابته بنوبة من الخوف أو من الرعب. ونجاحها الذي تمثّل في "احتلال" عرسال لم يستمر طويلاً بعد الهجوم المضاد الذي شنه الجيش. إلا أن نجاحها الآخر المتمثّل باختطاف العسكريين لا يزال مستمراً إلى الآن. وهو يثير قلقاً عاماً نظراً إلى استعمال الجهات الخاطفة هذه القضية لإثارة الاشتباك المذهبي بين سنة لبنان وشيعته، وبين سنته وجيشه، ولضرب المؤسسات في البلاد ولإعدادها لغزوات أخرى في مناطق متنوعة. وإذا تعذّر ذلك فإنها ستستمر في التهديد بذبح المخطوفين، وفي تحريض أهاليهم والرأي العام على الحكومة كي تقبل إطلاق عشرات وربما مئات الاسلاميين اللبنانيين وغير اللبنانيين من السجون اللبنانية في مقابل إطلاق سراحهم. وفي موقف صعب كهذا، وفي ظل الانقسام اللبناني الواضح جداً حتى داخل الحكومة يساهم الرضوخ للضغط في إعداد لبنان لتفجيرات مستقبلية عدة، في حين يتسبب رفضه بقتل العسكريين. وانعكاسات ذلك سلبية جداً بدورها على الاستقرار العام الذي هو هشّ جداً أساساً. لكن الصراحة والانصاف يقتضيان الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية وهو أن انخفاض نسبة الاحتقان لم يخفض نسبة التعاطف مع "الثورة" عموماً على رغم الرفض الفعلي عند أصحابه للتنظيمات المتشدّدة والتكفيرية والعنفية. ومن أسباب ذلك اقتناعهم بأن "داعش" وأمثاله لا يستطيعون الاستمرار في ظل تحالف دولي – اقليمي كبير ضدهم، وبأن القضاء عليهم سيقضي في الوقت نفسه على النظام الأقلوي في سوريا، وسيضعف المعسكر المعادي لهم الذي يقوده "حزب الله" الشيعي وحليفاه السوري والإيراني. علماً أن الفريق اللبناني المعادي للثورة السورية يشعر بتعاطف مماثل وللسبب المذهبي نفسه مع النظام السوري على رغم مسؤوليته عن قتل وتعذيب وإخفاء عشرات الآلاف من السوريين.
في اختصار الاحتقان في عرسال لا يزال موجوداً. واحتمال تعرضها لغزوة ثانية قائم. أما مبادرة غالبية أهلها إلى مساعدة "الغزاة" فأمر مشكوك فيه على رغم العواطف والتعاطف. لكن مساعدة النازحين السوريين أو على الأقل بعضهم فمضمونة. وفي النهاية فإن نتيجة المعركة النهائية بين الجيش من جهة و"داعش" و"النصرة" من جهة أخرى في عرسال هي التي ستكشف فعلاً حقيقة العواطف والولاءات عند الجميع. فخسارة الأول لا قدّر الله ستفتح باباً لانتشار الفتنة في البقاع أولاً لأن "حزب الله" لن يستطيع السكوت على أمر يهدده وشعبه مباشرة. كما ستفتح باب توسيع الاشتباك، وربما انتقاله الى الشمال حيث بدأ أنصار التنظيمين المذكورين يشكّلون تجمعات دينية وعلمائية وعسكرية مؤيدة لهم، بعدما كان معظمها تحت عباءة "تيار المستقبل" زعيم فريق 14 آذار. أما خسارة التنظيمين التكفيريين فقد تحرّك خلاياهما "المستيقظة" والأخرى النائمة في أكثر من منطقة في لبنان (الشمال السني، بيروت، البقاع الغربي، صيدا والمخيمات الفلسطينية...).
علماً أن تحرّكها هذا قد لا يكون شاملاً. فضلاً عن أن انتصار الجيش قد يدفع المتعاطفين الى الاصغاء إلى صوت العقل لا القلب الأمر الذي يصب في مصلحة بقاء الوضع الراهن "المحمول" على استقراره الضعيف جداً. إذ أن تغيره لن يكون إلا إلى الأسوأ.
وفي هذا المجال تؤكد مصادر قريبة من "العسكر" ان قيادة الجيش والقوى الأمنية الأخرى تتحسب لكل التطورات المشار إليها أعلاه. لكنها لا تخشى مواجهتها اقتناعاً منها بأن عناصر انتصارها في المواجهة أكثر من عناصر الخسارة.
هل الثقة بالنفس هذه في محلها أم مبالغ فيها؟ الجواب تقدمه التطوّرات وحدها في الأسابيع أو الأشهر القليلة المقبلة.