أهالي بلدة عرسال خائفون من عودتها ساحة قتال مرة ثانية بين مسلحي تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" وتنظيمات مشابهة، ومناصرين لهم من أهلها ومن النازحين السوريين إليها وبين الجيش اللبناني الذي يرابط في جرودها وداخلها وعلى الطرق المؤدية إليها. أحد أبرز أسباب الخوف بدء فصل الخريف الذي يجعل الطقس بارداً جداً ليلاً إذ إن مناطق المسلحين ترتفع عن سطح البحر1800 متر، ثم انتقال الجميع بعد ثلاثة أشهر إلى فصل الشتاء فصل الأمطار والثلوج الكثيفة. وفي وضع كهذا لا يستطيع هؤلاء المسلحون البقاء في الجرود العرسالية. والخيارات البديلة أمامهم قليلة يمكن اختصارها باثنين: الأول، العودة الى منطقة القلمون السورية. لكن ذلك لن يكون آمناً لهم بسبب استمرار جيش النظام السوري وحلفائه اللبنانيين في قتال المسلحين داخل هذه المنطقة بغية القضاء عليهم. ولن يكون آمناً ايضاً بسبب الاستهداف اليومي الليلي "لإخوانهم" المسلحين في الداخل السوري من الطيران الحربي للتحالف الدولي لمكافحة الارهاب الحديث الولادة. أما الخيار الثاني فهو النزول الى عرسال حيث يمكن المسلحين تحمّل الطقس، وحيث إمكانات التطبّب والمعالجة كما الحصول على المواد الغذائية متوافرة. وقد بدأ الحديث عنه عدد من حلفاء سوريا قبل مدة على نحو تهويلي، وذلك في محاولة واضحة لدفع الحكومة اللبنانية الى اتخاذ قرارات تجعل مواجهة المسلحين التكفيريين في عرسال وجرودها مثلثة، أي يشارك فيها الجيش و"حزب الله" والجيش السوري، أو على الأقل تفرض التنسيق العملاني والاستخباري بينهم في اثنائها. طبعاً قوبلت المحاولة المذكورة برفض من فريق أساسي مشارك في الحكومة، الأمر الذي أدّى الى التخلي عنها نظرياً. أما عملياً فإن احداً لا يعرف ماذا سيحصل على الأرض اذا اعتمد المسلحون الخيار الثاني. علماً أن الموقف الرسمي للبنان عبر حكومته هو الصمود أمام التحدي اليومي لهؤلاء، وفي الوقت نفسه مواجهتهم بكل ما يمتلك من امكانات في حال قرروا أن يكونوا "ضيوف" بلدة عرسال رغماً عن ارادة أهلها. لذلك فان السؤال الذي يُطرح اليوم هو ماذا يفعل الجيش في أماكن تمركزه اليوم؟ وماذا سيفعل إذا هاجمه المسلحون من أجل اعادة احتلال البلدة التي يعتبرها أحد الوزراء محتلة رغم كل التطورات المعروفة؟ وماذا سيفعل "العرساليون"؟ هل يكرِّرون التصرف المرحِّب والحاضن الذي مارسوه قبل الاشتباكات الأخيرة بين الجيش و"داعش" و"النصرة" وغيرهما والأخرى التي سبقتها وأدت الى استشهاد الضابط مشعلاني؟ أم يؤكدون بتصرفهم مواقفهم المعلنة بعد هذه الاشتباكات والتي فيها الكثير من الانتقاد والرفض والإدانة لمسلحي التنظيمين، وكم لا بأس به من الإشادة بالجيش اللبناني والرغبة في الاعتماد عليه؟ وماذا عن "الجبهات" الأخرى في لبنان؟
السؤال الأول تجيب عنه المعلومات المتوافرة عند مصادر عليمة وجدية جداً، وهي تشير إلى أن وحدات الجيش، المتمركزة في جرود عرسال على علو 1600 متر عن سطح البحر، نجحت في إقفال أو إغلاق كل الممرات التي كان يستعملها المسلّحون لدخول البلدة، سواء من أجل الراحة أو التموّن بالغذاء والمحروقات أو المعالجة الطبية، أو التنسيق مع المؤيدين لهم سواء من الـ100 ألف نازح سوري المقيمين فيها أو من أبناء هذه البلدة. ويراوح مستوى نجاح الاقفال بين 90 و95 في المئة. ويعني ذلك استحالة عبور "الحشود" المسلحة وكذلك آلياتها وترسانتها العسكرية. أما الأفراد القليلو العدد فإن بعضهم قد ينجح في العبور، لكن الوحدات العسكرية اللبنانية المتمركزة داخل البلدة وعلى أطرافها كافة تستطيع معالجة أمرهم في شكل أو في آخر.
وتشير أيضاً الى أن قيادة الجيش اتخذت قراراً وهي تنفّذه الآن يقضي بإقامة مراكز مصنعة مسبقاً (Préfabriqués) تقي وحداته ثلج الشتاء على علو 1600 متر وبرده وعواصفه. وتشير أخيراً الى أن هناك نحو 5000 جندي ورتيب وضابط في تلك المنطقة، وإلى أنهم صاروا قادرين على استعمال الذخيرة من دون تقتير على تنوعها. فضلاً عن ان الطيران الحربي اللبناني على صغر حجمه يُستعمل يومياً لضرب كل تجمّع يرصده للمسلحين. وفي آخر غارة من هذا النوع شاركت ست طوافات عسكرية وطائرة "سيسنا". وسيتلقى الجيش قريباً طائرة مماثلة أو أكثر وأسلحة أخرى، أما الذخائر فإن وصولها منتظم جداً (Regular).
الى ماذا تشير المعلومات المتوافرة عن الجيش ومهماته في عرسال وعنها وعن الاحتمالات المرتقبة؟