الأسئلة المحيّرة لكثير من الاوساط السياسية والديبلوماسية في هذه الايام هي هل أبلغت واشنطن القيادةَ السورية مسبقاً بعمليات قصفها الجوّي الأخيرة لمواقع «داعش» وأخواتها في سوريا، وهل تمّ الابلاغ مباشرة، أو عبرَ طرف ثالث؟ وبنحوٍ يتضمن نوعاً من التنسيق؟ أم أنه كان مجرّد عِلمٍ وخبر؟ وهل صحيحٌ أنّ لدى إيران ضماناتٍ من واشنطن بعدم استهداف أيّ من مواقع الجيش السوري بطائرات التحالف؟

بعض القريبين من دمشق يصرّون على أنّ واشنطن قد أبلغت القيادةَ السورية عبر ممثّلها في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، ولكنها تمنّت أن لا يُذاع هذا الإبلاغ رسمياً لكي لا تُحرَج الإدارة الأميركية أمام حلفائها العرب والدوليين.

البعض الآخر من المعارضين للنظام السوري يُنكرون وجودَ مثل هذا التبليغ المُسبَق، ويؤكدون أنّ واشنطن ما زالت على موقفها المعادي للنظام السوري والذي تعتبره عدواً مثل «داعش» وأكثر.

لكن ما يرجّح الفرضية الاولى هو أنّ واشنطن لم تُنكر مثلَ هذا الاتصال بالجعفري، وإنما وضعته في باب الإبلاغ فقط. وما يؤكد أنّ هناك تغييراً جدّياً في السياسة الاميركية هو حرص الرئيس باراك اوباما في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة أمس على التأكيد أنّ لا حلّ للأزمة السورية إلّا سياسياً، ووجّه دعوة الى العالم كله للتوحّد من أجل محاربة «داعش» وكأنه يريد أن يقول للداخل الاميركي وللحلفاء في العالم إنّ الحرب على «داعش» تَجُبُّ ما قبلها، إذ من غير الممكن أن يتحدّث الرئيس الاميركي عن العالم ويستثني منه روسيا والصين وإيران وسوريا والعراق ودول «البريكس».

نقطةٌ أخرى ترجّح وجهةَ النظر القائلة إنّ هناك بداية تفاهم أميركي - سوري، وهي أنّ ضربات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من دول الخليج والأردن لم تقتصر على مواقع «داعش» وحدها، بل شملت أيضاً مواقع لـ «جبهة النصرة» وتنظيماتٍ أُخرى وثيقة الصلة بالدول العربية المشارِكة في التحالف.

وقد كان المأخذ السوري على الخطاب الأميركي بعد قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2170 أنه يركّز على محاربة «داعش» ولم يذكر «جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات، على رغم أنّ «جبهة النصرة» كانت واردة في نصّ القرار الدولي، وقد اعتبرتها واشنطن في وقتٍ سابق منظمةً ارهابية.

ويرى سياسيون في شمول ضربات التحالف هذه التنظيمات المتشددة انتصاراً لوجهة النظر السورية التي كانت ولا تزال تصرّ على أنّ المنظمات المسلّحة كلها هي منظمات إرهابية، وأنّ المعارضة المعتدلة ليست سوى «فانتازيا» حسب ما وصفها الرئيس الأميركي نفسه، وأنّ أيّ سلاح او تمويل يذهب إليها سيصل حتماً الى أيدي المنظمات المتطرّفة.

وفي كلّ الحالات يعتقد محلّلون استراتيجيون أنّ من الصعب فهم السياسة الأميركية إلاّ في ضوء الإقرار بوجود تيارَين قويَين داخل الإدارة الأميركية، أحدهما ما زال متمسكاً باستراتيجية المحافظين الجدد وصقور اللوبي الصهيوني.

والثاني يتبنّى تقريرَ لجنة بايكر - هاملتون الشهير الذي يحضّ على الحوار والمشاركة. وحين يتنازع القرار رأيان عادةً، يلجأ أصحاب هذا القرار الى الباطن والظاهر فيُبطنون غير ما يُظهرون ويُظهرون غير ما يُبطنون. فهل تنطبق هذه النظرية على علاقة واشنطن بدمشق؟ هذا ما ستجيب عليه التطوّرات المرتقبة في قابل الأيام.