لبنان لا يزال يدور في دوامة الفراغ الرئاسي ,ففيما العالم كله ابتداءا من الولايات المتحدة الاميركية ومرورا باغلب الدول الاوروبية وصولا الى دول منطقة الشرق الاوسط وفي مقدمتها الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية , منشغل بانشاء التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش وجبهة النصرة وباقي الجماعات الارهابية المنتشرة على مناطق واسعة في الاراضي العراقية والسورية وعلى امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية وخصوصا في المنطقة الجردية الموازية لبلدات عرسال ورأس بعلبك والفاكهة نجد الساحة السياسية الداخلية في لبنان مشتعلة بالاتهامات والاتهامات المضادة حول العديد من الملفات المتراكمة ,والعراقيل التي تحول دون ايجاد حلول مناسبة لانجاز هذه الملفات واهمها ملف انتخاب رئيس للجمهورية .فالعسكريون المخطوفون لا يزالون يعيشون تحت رحمة سكين تنظيم داعش وجبهة النصرة حيث تدور مفاوضات معقدة محورها لبنان وقطر وتركيا مع هاتين المجموعتين الارهابيتين من دون التوصل الى نتائج ملموسة ,بل على من ذلك فان ما يرشح من معلومات تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي عن هذه المجموعات فانها تزيد من معاناة ومأساة وكمية الخوف لدى اهالي هؤلاء العسكريين من امكانية تعرض ابنائهم لمصير مأساوي مشابه لمصير رفيقيهما علي السيد وعباس مدلج مما يعني ان المفاوضات حول هذا الملف تمر بمحطات صعبة ومعقدة جدا .

    وفي السياق ذاته فان اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية تتوزع اهتماماتهم بين شطرين , فمن ناحية يشاطرون اهالي العسكريين المخطوفين هواجسهم ومأساتهم , ومن ناحية ثانية ينظرون بعين الشك والريبة للاقطاب السياسيين في البلد الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على المصلحة الوطنية العليا وذلك بوضع العراقيل المتشابكة والمعقدة التي تحول دون انجاز ملف انتخابات رئيس للجمهورية مما يهدد بانزلاق البلد نحو مهاوي خطيرة لا يعود ينفع معها اي معالجات داخلية او اقليمية او حتى دولية .

   ويأتي على رأس هؤلاء المعرقلين لانجار الملف الرئاسي العماد ميشال عون الذي يصر على انه لن يتنازل عن حقه في رئاسة الجمهورية حتى لو ارتبطت ازمة الرئاسة بازمة المنطقة واستمر الفراغ الرئاسي طويلا .

     واذا كان عون يحرص على فتح القنوات السياسية الداخلية وذلك برهانه على رفع الفيتو عنه نتيجة جهد شخصي وقنوات خارجية ومساع يتولاها اخيرا وزير الخارجية جبران باسيل , الا انه يدرك او بالاحرى يجب عليه ان يدرك جيدا بان المملكة العربية السعودية هي من يضع فيتو كبير يحول دون وصوله الى قصر بعبدا .

    ومن يعرف المملكة العربية السعودية جيدا يدرك ان مهمة عون شبه مستحيلة ان لم نقل انها مستحيلة على الاطلاق . وبطبيعة الحال فان الموقف السعودي ينعكس بصورة مباشرة على تيار المستقبل الذي يتأثر بموقف الرياض وكذلك على موقف الثنائية الشيعية الممثلة بحزب الله وحركة امل والتي تتحرك على وقع العلاقة السعودية ــ الايرانية , ولا يبدو ان طهران بوارد استفزاز الرياض او الاصطدام بها في هذه المرحلة , وفي المعنى ذاته يأتي موقف النائب وليد جنبلاط الذي لا يريد ان يقدم على اي خطوة تستفز السعودية , سيما وان الصفحة الخلافية معها لم تقفل بعد .

     وعليه فان هذه الاطراف الاساسية في البلد ليست بوارد القطع مع عون من خلال ابلاغه رفضهم لانتخابه , تاركين له مهمة حسم مصير ترشيحه , الامر الذي يحعل الرئاسة معلقة بين ضغوط خارجية ما زالت دون المستوى وبين تمسك عون بترشيحه , وما بين الاثنين يدفع اللبنانيون بشكل عام والمسيحيون بشكل خاص الثمن .

                                     طانيوس علي وهبي