كانت نقطة الثقل والاستقطاب في الاستراتيجية التي اعلنها الرئيس الاميركي باراك اوباما في اطار اعلان قيادة الولايات المتحدة تحالفا دوليا ضد تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) في كل من العراق وسوريا تشديد اوباما على ان الضربات العسكرية ستشمل سوريا وان هناك قرارا عملانيا بدعم المعارضة المعتدلة فيها. ذلك ان الانخراط في ضرب "داعش" في العراق بدأته الولايات المتحدة منذ الاسبوع الاول من آب الماضي بصمت ومواكبة من دول يفترض ان تكون معترضة على تدخل الولايات المتحدة في اي دولة في المنطقة، بذرائع مختلفة. وهذا الصمت طاول في الدرجة الاولى ايران التي تركت تكهنات مختلفة حول موقفها الحقيقي نتيجة تناقض مواقف مسؤوليها حول التعاون مع الولايات المتحدة ضد "داعش" في العراق او حول عدم نية التعاون، اقله علنا. كما طاول هذا الصمت كلا من الصين وروسيا اللتين ترفعان لواء الاعتراض في محطات مماثلة تحت ذريعة احترام سيادة الدول. واذ رفعت بالنسبة الى التدخل في العراق اسباب وتبريرات تتصل بطلب الحكومة العراقية نفسها تدخلا اميركيا ودوليا من اجل وقف تقدم "داعش"، وهو الامر الذي وفر لهذه الدول سببا للصمت وعدم الاعتراض الى جانب كون المستهدف تنظيما ارهابيا زاحفا في كل الاتجاهات، فان السؤال الذي يثار هو هل توجيه ضربات للتنظيم في سوريا، في ظل عدم اعتراض في الوقت نفسه على بالونات اختبار اعتبرت ان مواجهة التنظيم في العراق وحده لن تكون كافية ما دام له قواعد توسعية في سوريا، سيحظى بردود فعل مختلفة؟ فالتنظيم الارهابي هو نفسه، وتاليا الحرب ضده في العراق يفترض ان تنسحب عليه ايضا في سوريا التي رغب نظامها في ان يشمله التحالف الدولي ويكون جزءا منه، وفق ما اعلن وزير خارجيته وليد المعلم قبل اسابيع، وهو ما رفضته الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية على حد سواء، في ضوء اعتبارها ان النظام فقد شرعيته وهذه الدول لن تتعاون معه.

وفي حديث ادلى به الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الزميلة راغدة درغام في " الحياة"، اعتبر ان مواجهة "داعش" من خلال تحالف دولي لا يحتاج الى قرار آني في مجلس الامن، موضحا انه اذا كان هناك قرار من مجلس الامن، والمجلس متحد حول ذلك، فان الامر سيكون طريقة ممتازة ومناسبة. ومع ان الامين العام للأمم المتحدة لا يعبر رأيه تماما عن الامم المتحدة او عن اجهزتها، ففي الساعات التي تلت اعلان الرئيس الاميركي عن استراتيجيته لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، برزت جملة مواقف اثارت تفسيرات متناقضة وعلامات استفهام مقلقة حيال المرحلة المقبلة. اذ اعتبر النظام السوري ان اي عمل عسكري اميركي على سوريا من دون موافقته هو بمثابة اعتداء، وهو امر يختلف تقديره بين من يرى ان الامر من دون اهمية ما دام لا اقرار من التحالف الدولي بشرعية النظام الحاكم والاعتراف بشرعية المعارضة المعتدلة في المقابل، والتي وافقت على ان تكون شريكة في هذا التحالف، وما دامت الولايات المتحدة كشفت عن عملية عسكرية قامت بها في داخل سوريا لانقاذ مخطوفيها من دون ان يصدر اي اعتراض من النظام على خرق سيادة سوريا، اضافة الى ان سوريا باتت ساحة جهاد عالمي ودولة فاشلة وليست متماسكة ومن يحذر من ردود الفعل التي ترى العكس. وروسيا وفق ما هو متوقع، اعتبرت" ان شن هجمات جوية على اسلاميين في سوريا والعراق من دون تفويض من مجلس الامن الدولي سيكون عملا عدوانيا"، فيما اعلنت الصين " ان على العالم مكافحة الارهاب لكن سيادة الدول يجب ان تحترم ". وانتقدت ايران التحالف لغموضه الكبير وعدم اتضاح اهدافه، في حين ان العراق، بحكومته الجديدة التي هللت لاستراتيجة اوباما لانقاذ العراق رحب بهذه الاستراتيجية " في ما خص الوقوف معه في حربه ضد داعش.
وترى مصادرسياسية ان هذا الانقسام او هذه التحذيرات بديهية لخشية الدول المعنية على النظام السوري وعدم وجود حل يتم التفاوض معها فيه حول سوريا، او لعدم كونها جزءا من هذا التحالف، في حين لا تستطيع الوقوف ضد ضرب تنظيم الدولة الاسلامية فعلا، وخصوصا ان الجميع يدرك انه لا يمكن عمل اي شيء في المنطقة من دون رضى الدول الاقليمية والعربية ذات الغالبية السنية التي ستطالب حتما بأثمان في المقابل، ليس اقله عدم الافساح في المجال امام تقديم انتصارات لايران في سوريا والمنطقة، او لاعتبارات اخرى. وتاليا فان انتقاداتها لن تمنع توجيه ضربات عسكرية لـ"داعش" في سوريا. في حين ترى مصادر اخرى ان ما قد يثقل على التحالف الدولي في ما يتصل بسوريا اعلان دول غربية عدم استعدادها للمشاركة في توجيه ضربات عسكرية في سوريا. وقد اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ان فرنسا ستشارك اذا اقتضت الضرورة في عمل عسكري جوي في العراق مضيفا ان تحرك باريس لن يخضع للمعايير نفسها في سوريا. كما اعلنت الخارجية البريطانية ان بريطانيا لن تشارك في شن ضربات عسكرية على سوريا، فيما تعتقد مصادر ديبلوماسية ان ما يمنع الدولتين من المشاركة على هذا الصعيد هو عدم وجود شرعية دولية لهذا التدخل، مما يعطي اوراق قوة للدول الممانعة لضرب "داعش" من دون موافقة النظام السوري او بالشراكة معه.