في عالم التحليلات السائدة هذه الأيام حول جدية قيام تحالف دولي وإقليمي لمكافحة «داعش»، تتعدّد النظريات والفرضيات والسيناريوهات وتتناقض.

يرى بعض المحللين أن هذا التحالف ليس جدياً، وأن الولايات المتحدة تريد إبقاء أي تحرك عسكري في حدود مصالحها المباشرة، إذ لا يهمها على الإطلاق مستقبل المنطقة ولا مستقبل العراق أو سوريا، أو حتى الدول الصديقة لها.

بل إن هؤلاء يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيرون أن واشنطن حتى لو أرادت عملاً عسكرياً في العراق أو سوريا، فإنها وحلفاءها الأوروبيين أعجز من أن يقوموا به. وهنا يعتقد أصحاب هذه النظرية أن واشنطن ستجد نفسها مضطرة إلى الضغط على حلفائها الإقليميين لكي يموّلوا الحرب أولاً وإرسال جنودهم للقتال ثانياً، وفي طليعة الحلفاء المرشحين لهذا الدور تركيا، فيما الجانب المالي متروك لدول الخليج.

ويعتقد المحللون إياهم أن واشنطن لو كانت جادة فعلاً في القضاء على «داعش» لأدركت أن أقصر السبل لذلك يكمن في إقفال الحدود التركية والأردنية التي يتسلل منها مقاتلون وتُرسَل عبرها أموال وأسلحة وعتاد وأجهزة متطورة.

ويذكّر المحللون بما جرى في العراق العام 1975 حين أدّى «اتفاق الجزائر» بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي إلى إنهاء الثورة الكردية خلال أيام، إذ رحل زعيمها المُلاّ الراحل مصطفى البرزاني إلى واشنطن بعدما أدرك أن الأفق أمام ثورته بات مسدوداً.

ولا يستبعد مراقبون أن يكون في العقل السياسي الأميركي رغبة في تكرار سيناريو الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول العام 2001، فيومها وجّهت واشنطن أساطيلها وقواتها إلى أفغانستان متهمة «طالبان» بإيواء «القاعدة» وزعيمها أسامة بن لادن الذين يقفون وراء مقتل الآلاف من الأميركيين في البرجين الشهيرين في نيويورك.

وقد نجح الأميركيون يومها في إقامة تحالف عريض لم تكن روسيا بعيدة عنه، لكنّ عين المحافظين الجدد في واشنطن كانت تتطلع نحو العراق وتحاول إيجاد رابط بين حكومته وبين «القاعدة»، تماماً مثلما حاولت استغلال أُزعومة أسلحة الدمار الشامل لاحتلال العراق، وهي كانت تدرك أن لا علاقة له بـ«القاعدة» ولا وجود فيه لأسلحة دمار شامل.

فالهدف يومها كان السيطرة عليه وتدمير جيشه بغية تحقيق غايتين أميركيتين: أولهما، السيطرة على النفط من خلال السيطرة على العراق. وثانيهما ضمان أمن إسرائيل من خلال حلّ واحد من أكبر الجيوش العربية آنذاك.

ويتساءل المحللون أنفسهم أنه إذا كنا أمام حرب على الإرهاب، تكرر واشنطن مع سوريا ما فعلته مع العراق، فتقدّم خدمة كبيرة لإسرائيل من خلال تدمير سوريا ومعها المقاومة وإضعاف إيران، فيما تمكنها السيطرة على سوريا من وضع اليد على حقول النفط والغاز في الساحلين السوري واللبناني، فيشكل ذلك ضغطاً على روسيا التي تمسك بخناق أوروبا من خلال الغاز، وتستثمر هذه الطاقة الجديدة بغية تأجيل استحقاقات اقتصادية ومالية داهمة وضاغطة داخل المجتمع الأميركي.

وكما يقال إن التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرّة على شكل مأساة، ومرّة على شكل ملهاة. فهذه الأوهام، كما يعتقد المحللون، تغذيها أوساط المحافظين الجدد الذين يتحالفون اليوم في واشنطن مع اللوبي الصهيوني وعدد من احتكارات النفط والسلاح، بغية جرّ الرئيس باراك أوباما إلى حرب لم يستطع شنّها قبل عام، ولجأ إلى روسيا لإنزاله يومها عن الشجرة التي تسلقها نتيجة حماقته.

وتراهن أوساط المحافظين الجدد على أن علاقة روسيا بأوباما اليوم ليست على ما يرام، وبالتالي فلن يكرر قيصر موسكو فعلته في منع الحرب على سوريا قبل عام. وإذ لا يعتقد المحللون أنفسهم أن أوباما لا يدرك مخاطر هذه المغامرة، فإن المحافظين الجدد يزيّنون له إمكانية الوصول إلى سوريا بلا نظام الرئيس بشار الأسد و»داعش» معاً، ومن خلال الاعتماد على «المعارضة المعتدلة»، وعلى عشائر تنتظر ضربات جوية أميركية ضد «داعش» ليتقدموا ويسيطروا على أماكن وجودها.

ولذلك لا يخفي بعضهم مخاوفه من مغامرة أميركية وأطلسية جديدة تصوّب على «داعش»، ولكنها تستهدف سوريا كلّها، وبالتالي فإنّ دمشق التي أظهرت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم التزامها تطبيق القرار 2017، كانت حذرة أيضاً من أي عمل عسكري أو أمني يتم من دون التنسيق معها، وأكدت أنه إذا كان المقصود بالفعل ضرب «داعش» و»النصرة»، فإن الطريق إلى ذلك واضح، وهو تحالف دولي ـ إقليمي لا يستثني دولاً فاعلة ومؤثرة كإيران وسوريا وحلفائهما.

وفي كل الحالات، هل تكون الحرب على الإرهاب الرقم 2 نسخة جديدة عن الحرب على الإرهاب في نسختها الأولى التي أرادت إنهاء «القاعدة» في أفغانستان، فإذ بها تطل من أقصى المغرب إلى عمق اليمن من دون أن ننسى «بوكو حرام» في نيجيريا، وإعلان أيمن الظواهري عن تشكيل تنظيم «القاعدة» في القارّة الهندية؟

وهل تريد واشنطن إنهاء «داعش» فعلاً؟ أم إنها تريد لـ»داعش» أن تنفّذ رؤيتها لـ»الفوضى الخلّاقة» في عموم المنطقة والإقليم؟
التطوّرات المنتظرة في قابل الأيام ستجيب عن هذه الأسئلة.