تتلخص قصة (شمهودة) إنها لم تكن تترك مأتما أو مجلسا من مجالس العزاء إلا وتحضرها، وتبلي فيها بلاءً حسناً في البكاء واللطم والعويل والصراخ, لكن أهل العزاء يعاملونها بقسوة، ويعزلونها مع الصغار في وجبات الطعام، ولا يحسبونها من ضمن الضيوف. حتى ذاع صيتها وضربوا بها الأمثال للتعبير عن حالات الغبن وعدم الإنصاف، فقالوا: (لطم شمهودة. تلطم مع الكبار وتأكل مع الصغار).

قد تكون شخصية (شمهودة) وهمية أو خرافية، وقد تكون حقيقية ولها مساس بواقعنا المر، فالأمثال تضرب ولا تقاس. لكننا لا نريد للبصرة أن تلطم لطم شمهودة، ولا نريدها أن تتقمص دورها السلبي، فتفقد استحقاقاتها كلها في خضم التخصيصات الوزارية غير العادلة، فلا تجد وزيراً واحداً في تشكيلات الحكومة من البصرة، ولا سفيرا من البصرة، ولا حتى وكيل وزارة. حتى أن بعض المدراء فيها جاءوها من محافظات أخرى، في حين اقتصر توزيع الحقائب الوزارية على محافظات نينوى وصلاح الدين والنجف وكربلاء. على الرغم من مكانتها العلمية والثقافية والفكرية والأدبية، وتفوقها في المجالات الطبية والبحرية والهندسية والزراعية والسياحية والتجارية والصناعية، وارتفاع نسبة حملة شهادات الدكتوراه في مؤسساتها ومعاهدها وكلياتها التخصصية بالمقارنة مع النسب المعلنة في الكويت وقطر والإمارات والبحرين وعمان، ناهيك طيبة أهلها ودماثة أخلاقهم ونزاهتهم ووطنيتهم.

أغلب الظن أن أبطال العملية السياسية المعاصرة لا يعلمون أن أول رئيس للوزراء في العهد الملكي كان من البصرة وهو السيد عبد الرحمن النقيب، وأن السيد طالب النقيب كان المرشح الساخن لاعتلاء عرش العراق قبل الملك فيصل. وأن المبعوثان كانا من البصرة، في حين يُستبعد أبناء البصرة الآن من التشكيلة الوزارية الجديدة، وكأن الحكومة العراقية لا تعلم أن معظم بلدان الخليج العربي كانت ولادتها من رحم البصرة التي كانت تبسط نفوذها على الخليج العربي كله حتى عام 1916.

لقد حملت مرافئ البصرة ومنافذها البحرية شعلة العالمية والتنوع والتعددية في الثقافة والفنون والآداب، وقصدها التجار من مشارق الأرض ومغاربها. وهاموا في عشقها، وتعلقوا فيها، فخلدوا اسمها على هواهم، وكتبوه بإيقاعات أبجدياتهم المتناغمة مع صوتها الجميل.

وأن البصرة هي النافذة البحرية الوحيدة التي يطل منها العراق على بحار الله الواسعة، وفيها أكبر وأقدم وأوسع الموانئ الخليجية، وفيها أروع الربابنة والملاحين وأقدم رجال البحر، وأن معظم الذين فازوا بمسابقات حفظ القرآن الكريم كانوا من البصرة المعروفة بمساجدها الألفية المنتشرة من مدينة العزير إلى مدينة الزبير.

وأن أول محطة قطار في العراق (محطة المعقل) في البصرة، وأول قاعدة جوية في العراق (قاعدة الشعيبة)، وأول ميناء في العراق (ميناء البصرة)، وأول فندق (فندق شط العرب)، وفيها أول دار سينمائية، وأول ملاعب لكرة القدم، وأول غرفة تجارة، وأول غرفة صناعة، وأول منظمة للهلال الأحمر، وأول مطار مدني، وأول مصافي نفطية، وأول وأكبر مدينة للألعاب، وأول وأكبر سايلوات، وأول وأكبر معامل الحديد والصلب، وأول وأكبر معامل اليوريا والأسمدة الكيماوية، وأول وأكبر معامل البتر وكيماويات،  وبنيت فيها أول وأكبر وأوسع سلسلة من المباني المجانية التي وزعها مزهر الشاوي على العمال والموظفين، وفيها أكثر القناطر والمعابر والأنهار والأخوار والأهوار والصحاري والبراري، وفيها أكبر بساتين النخيل والحناء.

وأن المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والمعاهد الخاصة والعامة للبنات والبنين الموجودة الآن في البصرة هي الأكثر عددا والأوسع استيعابا من حيث عدد الطلاب في جميع المحافظات العراقية الأخرى، وفيها أكبر وأوسع الأكاديميات البحرية في عموم أقطار الخليج العربي.

أيعقل بعد هذا التاريخ الطويل الزاخر بروائع المنجزات العلمية والأدبية والفنية الذي سجلته مدينة البصرة منذ يوم ولادتها وحتى يومنا هذا أن ينعتنا أبطال العمليات السياسية الفاشلة بالتخلف، ثم يجردوننا من مؤهلاتنا الثقافية والعلمية والسياسية والنضالية ؟. هذا الكلام نوجهه إلى نواب البصرة كافة ونطالبهم بالوقوف بحزم بوجه الذين يحاولون الانتقاص من مؤهلاتنا العلمية والأدبية والثقافية والسياسية.

وللعتاب بقية