وجه قتل الجندي عباس مدلج بعد الرقيب علي السيد انذارا واضحا وقويا الى كل القوى السياسية ان لبنان لا يتحمل لا ترف الاختلاف الذي عبرت عنه هذه القوى في مقاربتها لموضوع خطف العسكريين وكيفية معالجته والتي حفلت بها وسائل الاعلام خلال الاسبوعين الاخيرين، ولا ترف التصريحات والمواقف المتضاربة التي تسعى الى التوظيف السياسي لهذا الموضوع والاستثمار فيه لمصالح معروفة واخرى غير معروفة. اذ بدا ان انقاذ البلد يجب ان يكون اهم من مجرد انقاذ الحكومة الذي تم الاجتهاد عليه الاسبوع الماضي بعدما حصل ما خشي منه رئيس الحكومة تمام سلام وحذر منه كثر سواه وهو ان يعمد الخاطفون القتلة الى قتل عسكريين من الطائفة الشيعية من اجل اثارة فتنة طائفية في لبنان من جهة، فتشتعل معها حرب داخلية مع اللاجئين السوريين من جهة اخرى. وقد بذل جهد كبير في الاتصالات المتعددة الطرف التي جرت فور شيوع نبأ قتل مدلج من اجل تحويل اتجاهات ردود الفعل الغاضبة على قتله في غير ما بدأت عليه في الشوارع والمناطق فتم تفادي انزلاق سريع الى ما يخشى منه كثر منذ اندلاع الحرب الاهلية السورية وتداعياتها على لبنان، وهي الفتنة الداخلية وقد قارب لبنان حدودها الخطرة. في وقت اجمعت شخصيات مسؤولة على ضرورة وقف كل التسريبات او المواقف من جانب المسؤولين السياسيين على اختلاف مواقعهم والتي لم تفعل سوى بلبلة اللبنانيين واظهار وجود انقسامات حادة يسهل على الخاطفين النفاذ منها واستغلالها واكتفاء المسؤولين بالتأكيد فقط ان هذا الموضوع هو قيد المتابعة من اجل طمأنة الاهالي على اولادهم واعطاء اشارات للخاطفين بجدية الدولة اللبنانية في التعاطي مع هذا الموضوع. اذ ان المواقف التي اطلقت تركت غموضا كبيرا في شأن ما اذا اقر لبنان التفاوض او عدمه، وما اذا كان توسيط طرف ثالث لا يعني الوصول الى نقطة تفاوض في مرحلة ما، أو ما الذي يعنيه ذلك كما تركت المواقف المعلنة التباسات قوية حول وجود وسطاء خارجيين ام لا. اذ ان الخطاب الملتبس الذي رغب في ارضاء مواقف جميع الأفرقاء السياسيين زاد الوضع التباسا وساهم في تعقيد الامور اكثر من التعقيد التي هي عليه اصلا.

والانذار بهذا المعنى يطاول وفق ما تقول مصادر سياسية جانبا آخر يتصل بعدم جواز ترك الفراغ في سدة الرئاسة الاولى والذي يساهم في خربطة الامور على المستوى الحكومي والسياسي، وذلك من اجل التقليل من مستوى عامل من عوامل الاضطراب الداخلي باعتبار ان جانبا من جوانب توظيف ما حصل في عرسال استخدم ولا يزال في موضوع الرئاسة من اجل حسم اتجاهات معينة دون اتجاهات اخرى. فهناك حاجة ماسة الى اقفال الموضوع الرئاسي لجملة اعتبارات بات يعرفها الجميع من بينها في شكل اساسي تنفيس الاحتقان السياسي حوله وتمكين لبنان بوجود مرجعية هي حاجة ماسة للدول الخارجية من اجل التحدث مع لبنان. لكن الاهم، وفق ما يبرز في شكل خاص عشية مؤتمر في واشنطن من اجل مسيحيي الشرق والبحث في السبل لتشجيعهم على البقاء في ارضهم، ضرورة اخراج الرئاسة مما يتهيأ للبنانيين انه سيكون وفق بازار او صفقة توافق بين المملكة العربية السعودية وايران المؤثرتين في الافرقاء الداخليين في لبنان. وعلى رغم عدم امكان الخروج من هذا المعطى لاعتبارات مختلفة، فإن ثمة حاجة برزت اولا للعمل من اجل عدم الذهاب الى انتخابات نيابية في حال تقرر ذلك على رغم صعوبته او الى التمديد لمجلس النواب من دون وجود رئيس جديد للجمهورية، وتاليا حتمية العمل للوصول الى انتخاب رئيس جديد قبل التمديد. وثانيا ابراز دور للكرسي الرسولي في اتجاه توجيه الدفة في موضوع الانتخابات الرئاسية ولو ان الفاتيكان لا يرغب ولا يتطلع الى دور سياسي في لبنان. لكن الاسهل وفق ما يرى كثر هو اخراج موضوع الرئاسة المسيحية الى مرجعية معنية ومسؤولة بدلا من تركها في اطار تصارع النفوذ الاقليمي في لبنان ما يتسبب في احباط ويأس كبيرين، ومن اجل اظهار التأثير المسيحي للطمأنة واراحة الاطراف السياسيين الداخليين والاقليميين انطلاقا من ان لا مصالح لدى الفاتيكان سوى في ملء الشغور في سدة الرئاسة الاولى المسيحية بحيث لا يحسب الرئيس العتيد على فريق سياسي محلي او اقليمي دون فريق آخر، في حين ان المرشحين الاربعة الكبار لدى المسيحيين محسوبون على اتجاهات داخلية واقليمية معينة بحيث بات محسوما ان لا حظوظ لدى اي منهم على الاطلاق. ولعلهم يفضلون في هذه الحال رئاسة لا تأكل من صحونهم الزعاماتية ويحتفظون بحصصهم من ضمن الاثمان المطلوبة او يسعون الى المزيد. وتأمل هذه المصادر ان تكون ابرز نتائج هذا المؤتمر الدفع في اتجاه حسم موضوع الرئاسة بناء على معطيات تفيد ان ثمة عملا من وراء الكواليس يجري بعيدا من الاضواء من اجل تحضير الاجواء في هذا المنحى، وان ثمة مؤشرات ايجابية مشجعة وذلك استنادا الى اعتبار اولي ومنطقي هو ان اي خطوة تتخذ من اجل اعطاء دفع ايجابي للمسيحيين يجب ان تنطلق من باب اساسي هو تحرير الرئاسة اللبنانية من الضغوط واتاحة انتخاب رئيس جديد، والا فإن كل الخطوات الاخرى ستكون بلا معنى في ظل عجز عن تأمين انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.