هل ستلاقي قوى 8 آذار قوى 14 في منتصف الطريق من اجل التوافق على رئيس للجمهورية كان رأى "حزب الله" منذ اشهر قليلة ان لا إمكان لانتخابه من دون التوافق لأن توازن القوى لا يسمح، كما كان قال الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام للحزب، بانتخاب رئيس من دونه ام ان هذه القوى ستفسر التوافق بالسعي الى استدراج خصومها الى توافق على مرشحها فقط؟ وهل المبادرة تشكل مؤشرا على بداية مسار لكلام جدي لانهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية او انها لا تستحق التوقف عندها؟

يطيب لسياسيين الأمل بأن تكون مبادرة قوى 14 آذار خطوة على طريق بدء حوار داخلي خارج مجلس الوزراء ويعتقدون بوجوب ان تلقى تجاوبا ليس لأن هذه القوى ايجابية او لانها صاحبة مبادرة فيما الآخرون ليسوا كذلك مثلا، بل لأن البلد لم يعد يحتمل. اذ ان المبادرة في أحد وجوهها تشكل تجاوبا مع مد لليد قال به الحزب قبل بعض الوقت وبعد دراسة ومناقشة بين هذه القوى لئلا تكون اي خطوة منفردة. ولا يجوز تقليل ردة الفعل التي أبداها التيار الوطني الحر على الفور من خلال اعتباره المبادرة ممجوجة كونه رد فعل انفعاليا طبيعيا على اقصاء العماد ميشال عون في السعي الى توافق لبناني جامع على الرئيس العتيد، ورئيس التيار لن يسلم بسهولة من دون التفاوض على البدائل او الاثمان علما ان قريبين منه لا يزالون ينقلون الى الاوساط السياسية انطباعات تفيد بأن الانتخابات الرئاسية هي الفرصة النهائية امام التيار وهو لن يفرط بها. لكن مبادرة قوى 14 آذار الحوارية مع كل الافرقاء تلاقي من جهة مواقف لكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وتقع من حيث ظروفها وتوقيتها في وقت صعب يخشى من تبعاته على الداخل اللبناني شأنه في ذلك شأن التوقيت الذي ساهم في ولادة الحكومة الحالية بعد اشتداد وطأة المشاعر المذهبية في الشارع. وهي الحال التي تسود في شكل او في آخر على وقع تداعيات معركة عرسال وخطف العسكريين ورفض قوى 8 آذار السعي الى التفاوض مع الخاطفين من اجل الافراج عن العسكريين مما ولد حال احتقان كبيرة يخشى منها كثيرا على البلد بعدما بدا لكثر ان الصراع بين التنظيمات السورية المصنفة ارهابية و"حزب الله" انتقل الى لبنان وهناك صعوبة بالنسبة الى الحزب وفق هؤلاء ان يترك هذه التنظيمات تفوز بالارهاب في لبنان بعدما فاز عليها في القلمون ومناطق سورية اخرى. فكان ثمة تصعيد سياسي واعلامي وتضخيم من وسائل اعلام التي تدور في فلك الحزب الى درجة أربكت الحكومة ورئيسها وضيقت عليه هامش الخطوات الممكنة لتأمين الافراج عن العسكريين المخطوفين سياسيا وشعبيا وأحرجته امام ابناء طائفته وامام اللبنانيين كما رفعت تحديات كبيرة في وجه الجيش ما خدم وفق رأي كثر التنظيمات التي تحتجز العسكريين. وثمة من يرسم علامات استفهام اذا كان التوقيت يقع ايضا من ضمن انعكاسات اللقاء الديبلوماسي الايراني مع مسؤولين سعوديين قبل اسبوعين علما ان موقف الحزب والبحث في الرد المحتمل كانا سابقين لهذا اللقاء من حيث المبدأ.
وقد لا يكون ثمة جديد في المبادرة لجهة الاتجاه خطوة اضافية نحو التوافق باعتبار ان أحدا لا يتوقع ولا يرى رئيسا لا يصل عبر توافق جميع الافرقاء بمن في ذلك العماد عون الذي طمح ولا يزال الى توافق حول شخصه، فيما مبادرة قوى 14 آذار تقطع كل امل بهذا الاحتمال او بهذا الاتجاه في حال كان لا يزال عون يراهن عليه، وذلك من خلال دعوتها الى خيار ثالث يطيحه من السباق الى الانتخابات. اما وأن هذا الموقف يعتبر تبليغا غير مباشر للعماد عون بعدم إمكان التوافق حوله، فان الكرة ستكون في ملعب قوى 8 آذار لحسم موقفها اما برفض مبادرة قوى 14 آذار وتاليا ارجاء التوافق الذي يحتم في وقت من الاوقات الابتعاد عن خيارات الطرفين الى خيار ثالث الى اشهر اخرى او لحصول ضغط اقليمي جدي، او بتولي هذه القوى اقناع العماد عون بأن يكون جزءا من عملية التفاوض والسعي الى الحصول على الاثمان التي بات الجميع يعرف ابرزها.
مصادر معنية لا تتوقع رد فعل ايجابيا في ضوء الانقسامات المستمرة في البلد وتخشى ان يتم تقاذف الكرة من ملعب طرف سياسي الى ملعب طرف آخر على نحو يدفع لبنان نحو مخاطر اضافية وأثمان باهظة في انتظار ان يتنازل أحد امام الآخر، وهو امر لن يحصل في هذه الظروف.
في استقبال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ولي العهد السعودي النائب الاول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الامير سلمان بن عبد العزيز، قال الرئيس الفرنسي: "لقد اتفقنا معا، السعودية وفرنسا، على مساعدة لبنان شرط ان يساعد نفسه، من أجل حماية أمنه". لا يساعد لبنان نفسه في المحافظة على موقع رئاسة الجمهورية فيما تمارس القوى السياسية ترف الكباش السياسي من دون الالتفات الى التهديد المصيري للموقع المسيحي الاول وللمسيحيين عموما ولا في تأمين حصول انتخابات نيابية او تفعيل الاقتصاد وحماية الجيش ولا يستطيع أحد إرغام السياسيين اللبنانيين على الانتباه الى لبنان وعدم التضحية به في خضم المصالح الشخصية فيما يشعر اللبنانيون انهم متركون لمصيرهم.