المذبحة التي حصلت في مسجد مصعب بن عمير في ديالى بالعراق وذهب ضحيتها اكثر من مائة وعشرين شخصا بين قتيل وجريح اثناء صلاة يوم الجمعة الماضي وهم من الطائفة السنية ,هي جريمة بكل المقاييس وعبر عن اللغة الي شاعت في العراق وهي لغة الدم .

   فالجريمة لم يرتكبها مجرم او مجرمين او مجموعة مجرمين بل ارتكبها التعصب البغيض والحقد الاعمى بحيث اصبحت الكراهية نارا متقدة والبغض صفة ثابتة في كل عراقي تجاه الطرف الاخر الذي اصبح عدوا تجب تصفيته , بعدما افتقد العراق لغة الحوار بين مكوناته الطائفية والمذهبية والسياسية والحزبية ولم يعد يجيد غير لعبة الثأر والموت والانفجارات في الاماكن الاكثر اكتظاظا وخصوصا في المساجد والمقامات والمؤسسات العامة بعدما سقطت كل المحرمات .

   وبغض النظر عمن يمكن ان يكون وراء هذه الجريمة الفظيعة اذ ان اصابع الاتهام بدأت توجه الى ميليشيات يدعمها المالكي ومرة الى داعش واخرى الى ايران ,علما بان الكل ممكن ان يستفيد من تداعيات هذه الجريمة, فانهاتهدف الى فرض واقع مستجد ظهرت بوادره في انسحاب النواب من المشاركة بتشكيل الحكومة وتهديد اعضاء كتلة رئيس مجلس النواب العراقي بعدم المشاركة في الحكومة التي يتولى السيد حيدر العبادي تشكيلها ما لم يتم الكشف عن الجناة سريعا وسوقهم الى العدالة ,وهذا بالتأكيد يضع العبادي امام التحدي الكبير فاما ان يستطيع الضغط على الاجهزة الامنية والقضائية لكشف الجناة فيكون بمستوى ثقة الشعب العراقي والدعم المحلي والاقليمي والدولي الذي اعطي له بعدتكليفه بتشكيل لبحكومة ويبدأ بمسيرة اعدة اعمار العراق على قاعدة العدالة والمساواة بين كافة ابنائه بعد اشراك العنصر السني في صناعة القرار حيث تم اقصائه في عهد سلفه نوري المالكي ,وبذلك يستعيد العراق عافيته ودوره الاقليمي كقوة فاعلة في المنطقة ,او انه يبقى عاجزا عن الصمود في وجه هذا التحدي .

     فهذه الجريمة هي علامة فارقة في مستقبل العراق فاما ان تؤكد الفصائل التي وقفت ضد المالكي وايدت العبادي ان النية جدية وصادقة في صيانة العراق وتسهل مهمة تشكيل الحكومة الجديدة وتدعمها لتتمكن من التحقيق فعليا في الجريمة ومعاقبة مرتكبيها خلال وقت وجيز والبداية تكون بالقضاء كليا على كل الميليشيات المذهبية المسلحة لاعادة التوازن للجيش العراقي والتأكيد على ان الامن سلطة وطنية تحمي الجميع دون استثاء وان الوطن هو مظلة شاملة لكل مواطنيه دون تمييز ,او ان هذه الحكومة تبقى عاجزة امام مسلسل من الجرائم الانتقامية تكون مجزرة مسجد مصعب بن عمير موعد انطلاقتها وحينها ستكون للميليشيات الدموية الكلمة الاخيرة ويبقى العراق هو المستهدف من عدو شرس هو الحقد الدفين المتوارث منذ عقود من السنين والتعصب الاعمى الذي لا يرتوي الا بالدم .

   فهذه المجزرة لن يغيبها سوى مجزرة اخرى تفوقها بشاعة واجراما ,او سيادة دولة القانون وانتصاب ميزان العدالة الذي يساوي بين الشيعي والسني والكردي والمسيحي وباقي مذاهب وطوائف الشعب العراقي على ان يكون المقباس هو الوطنية والولاء للعراق وليس لاطراف خارجية

                                                          طانيوس علي وهبي