شكّلت عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت مفاجأة لكثير من الأوساط السياسية والشعبية، على رغم أنّ البعض يعتقد أنّ القوى الرئيسية المعنية لم تُفاجَأ بهذه العودة.

ويقول سياسيون متابعون للأزمة الداخلية إنّ عودة الحريري جاءت لتتوّج حصيلة جملة الاتصالات والمحطات التي امتلأت بها الساحة السياسية اللبنانية في الايام القليلة الماضية، بدءاً من زيارة رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، ثمّ زيارته لرئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، وبينهما اتصاله بالحريري ثمّ زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، وصولاً الى استقبال السيّد نصرالله زعيمَ تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، بالاضافة الى اتصالات كثيرة تجري منذ أشهر وراء الكواليس.

كثيرون من المسؤولين والقيادات السياسية استبشروا بعودة الحريري المفاجئة، وقد انعكسَ هذا الاستبشار مباشرةً في ارتفاع سعر سهم شركة "سوليدير" نقاطاً عدّة، وغالباً ما يكون صعود اسعار هذا السهم وهبوطه مؤشّراً إلى انفراج، أو إلى احتقان، في الحياة السياسية اللبنانية.

على أنّ استبشار المستبشرين بعودة الحريري، مرَدُّه لأسباب عدّة:

ـ السبب الأوّل، أنّ هؤلاء المستبشرين يجدون في هذه العودة مؤشّراً الى حلحلة في العقدة الرئاسية تمهيداً لإنهاء الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، بحيث يؤتى للبلاد برئيس جديد، فيما يتولى الحريري رئاسة الحكومة في عهد هذا الرئيس، الأمر الذي يشيع انفراجاً سياسياً وأمنياً أكبر حجماً وأوسع مدىً من الانفراج الذي أشاعه تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام وفيها ما فيها من صقور تيار "المستقبل".

ـ السبب الثاني، أنّ عودة الحريري الى لبنان ستحسم التباينات القائمة بين أجنحة تيار "المستقبل"، بحيث يتمّ ضبط بعض التصريحات المتفلتة التي تصدر عن بعض أركانه بمستوياتهم المختلفة، ويمنع أيّ تطاول على الجيش اللبناني. فضلاً عن أنّ عودة الحريري تعيد تعزيز حضور "المستقبل" كتيار سياسيّ معتدل داخل بيئته وشارعِه، بعدما بدأت التيارات المتطرّفة تأكل من رصيده بنحو مخيف.

ـ السبب الثالث، أنّ كثيرين يرَون في عودة الحريري دعماً شعبياً وسياسياً وعربياً للجيش اللبناني، بل إنّ البعض يرى أنّ خادم الحرَمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز قد قدّم للبنان هبتين، أولاهما المليار دولار لدعم الجيش والقوى الامنية، والثانية عودة الحريري لدعمِ الجيش والقوى الامنية، فإذا كانت الهبة الأولى مادّية تقنية، فإنّ الهبة الثانية معنوية سياسية.

ـ السبب الرابع، أنّ البعض يجد في عودة الحريري جزءاً من حشد الطاقات داخليّاً وإقليمياً ودولياً لمكافحة الإرهاب، وقد بات هذا الأمر سياسة عربية ودولية، وبالتالي بات من الصعب مكافحة تنظيم يرفعُ شعارات التطرّف السُنّي إلّا بواسطة زعامة ذات ثقل سنّي كبير.

ـ السبب الخامس أنّ البعض يعتبر أنّ عودة الحريري ما كانت لتتمّ لولا أنّ هناك توافقاً بين القوى المعنية على هذه العودة، ويعتقد هؤلاء أنّ هذا التوافق وصل إلى درجة تتحمّل معها بعض الأطراف نقداً سياسياً قاسياً من الحريري، ولكن على أن يبقى هذا النقد تحت سقف الأمن والاستقرار والسلم الأهلي.

ولذلك يقول سياسيّون مطّلعون إنّ عودة الحريري الى لبنان من مطار بيروت لا من مطار دمشق، كما كان وعد أثناء وجوده في الخارج، أمرٌ بالغُ الأهمّية، وانسحابٌ علنيّ من أيّ رهان على سقوط أو إسقاط النظام السوري، وذلك على الرغم من احتفاظ الحريري كجنبلاط بحقّه في انتقاد هذا النظام من دون ترجمةِ هذا النقد إلى نزاعٍ داخلَ لبنان، يمكن أن يدفع ثمنَه اللبنانيون.

ويعتقد هؤلاء المطلعون أيضاً أنّ الحريري ما كان ليعود في هذه المرحلة لولا أنّ في المنطقة والعالم تباشيرَ تسويات كبرى إقليمية ودولية تنطلق من أمرَين: أوّلهما مكافحة الإرهاب، وثانيهما تسوية القضية الفلسطينية.