لا يمكن أن يمر اسم حركة "حماس" في الضاحية الجنوبية، معقل "حزب الله"، من غير أن يستدرج تعليقا، يذكر بعلاقتها بـ"حزب الله" وسوريا وإيران، وبالقتال ضدهم إلى جانب المعارضة السورية، لولا سوريا وإيران لكانوا مطحونين الآن، يقول شاب في أوائل العشرينات، ليلاقيه صديقه بالقول: "حماس" لا يقدرون التضحية، فهم ليسوا أصدقاء لأحد، وهو ما يعبر عن استياء تجاه حماس، في منطقة لا تزال تشيع قتلاها الذين وقعوا في معارك سوريا.

والاستياء من "حماس" يتفاقم على ضوء موقفها المعارض للنظام السوري، ومشاركة أفراد منها في الحرب السورية إلى جانب المعارضة، وانسحب انقساما على دعمها في الحرب على غزة، ففي حين التزم "حزب الله" بموقف داعم لحماس، منذ الأيام الأولى للحرب، انقسم جمهوره بين مؤيد للحركة في حربها ضد إسرائيل، ومحايد يعتبر أن لا علاقة له بالصراع الدائر في قطاع غزة، نظرا لأن الطرفين يقاتلاننا.

وبرزت هذه المعادلة في الضاحية، لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لطالما أعلن "حزب الله" موقفا داعما للفلسطينيين، وواكبه جمهوره بذلك، لكن الحرب السورية، "كسرت الجرة بين الطرفين" قبل أن تحاول جبهة العمل الإسلامي إعادة تقريب وجهات النظر بينهما في الشتاء الماضي.

لم يكن جمهور الحزب يكترث لتلك التفاصيل، كونها متعلقة بسياسة "حزب الله" وخياراته، لكن الموقف من "حماس" تبدل بعد انخراط "حزب الله "في الحرب السورية، وتشييع قتلاه في بيروت، وتناقل السكان في الضاحية أن مقاتلي "حماس" يقاتلون إلى جانب المعارضة السورية، ويستخدمون التكتيكات العسكرية نفسها التي تعلموها من الحزب، وأهمها حرب الأنفاق، وكانت تلك التكتيكات السبب المباشر في مقتل عدد كبير من مقاتلي الحزب في القصير، ثم بريف دمشق.

ولم يصدر "حزب الله" موقفا مما يقال بعد انقلاب المزاج الشعبي ضد "حماس"، ولم تطمئن التسريبات في وسائل إعلام لبنانية إلى أن حماس لم تأخذ القرار بالمشاركة في الحرب إلى جانب المعارضة، بل عناصر غير منضبطة كانت محسوبة على "حماس" قاتلت في مناطق متفرقة من البلاد. لكن الأمور على مستوى القاعدة، تختلف عما هي عليه على مستوى القيادات، إذ أجرى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، اتصالات ولقاءات بمسؤولين من "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، واعدا بتقديم الدعم، وينتظر أن يعلن نصرالله هذا الموقف بنفسه غدا الجمعة، في احتفال "حزب الله" المركزي بـ"يوم القدس العالمي" في الضاحية الجنوبية.

ويبرر رجل لبناني أربعيني، يسكن في منطقة الكفاءات بالضاحية الجنوبية، الموقف من "حماس"، بالقول لـ"الشرق الأوسط": "وثقنا في حماس، ونقلنا إليهم خبراتنا ليقاتلوا إسرائيل، ونكون معهم في الخندق نفسه ضد عدو مشترك، لكنهم خانوا الأمانة، ولم يكونوا على قدر الثقة"، مشيرا إلى أننا نشعر الآن بأن من وثقنا به، هو قاتلنا، ولن نثق به بعد اليوم.

ولم تغيّر الحرب الإسرائيلية على غزة، في هذا الوقت، الكثير في مواقف جمهور الحزب اتجاه "حماس"، على الرغم من أن رأس الهرم السياسي في الضاحية، أي قيادات الحزب، بقيت مصرة على دعم المقاومة الفلسطينية، كما أكد نصرالله مرارا. وفي ظل هذا الجو الانقسامي في الضاحية على الحرب في غزة، يحاول "حزب الله" أن يعيد لملمة المشهد لشحن موقف داعم للفلسطينيين على قاعدة أن حماس «حركة مقاومة تقاتل العدو»، وأن المعتدي على الفلسطينيين هو الطرف الإسرائيلي.

وتعبيرا عن هذا الحشد، نفذت الهيئات النسائية في "حزب الله" أواخر الأسبوع الماضي اعتصاما أمام مقر الأمم المتحدة «الإسكوا» في بيروت تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على غزة، ورفعت المعتصمات لافتات تندد بالصمت العربي والدولي إزاء الجرائم الإسرائيلية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، كما جدد نصرالله وقوف الحزب والمقاومة اللبنانية إلى جانب انتفاضة الشعب الفلسطيني ومقاومته، وذلك في اتصالات هاتفية برئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، د. رمضان عبد الله شلح، قبل يومين.

وبينما ينقسم السكان حول حماس، يجمعون في الوقت نفسه على التضامن مع الفلسطينيين، يقول هيثم (23 سنة) إن "ما يجري كارثة إنسانية تستدعي منا التضامن مع الفلسطينيين ومطالبة العالم بالتدخل لوقف هذه المجزرة"، لكن في الوقت نفسه "لا أعتقد أنه لو كان بإمكاني أن أتدخل سأتدخل للقتال إلى جانبهم، فلو شاهدونا إلى جوارهم لتركوا الإسرائيلي وذبحونا."