تستمر محاولات الخروج من الجمود الذي يطال مختلف المؤسسات، من دون وجود أي بارقة أمل في كسر جدار الأزمة. ويبدو أن الحوار بين حركة أمل وتيار المستقبل بشأن عقد جلسة تشريعية لم يُفضِ إلى نتيجة، ما دفع الرئيس نبيه بري إلى رفع الصوت في وجه المستقبل

يقترب الشهر الجاري من نهايته، من دون أن تتوصل القوى السياسية المختلفة إلى اتفاق على كيفية صرف رواتب موظفي الدولة. ورغم عقد اجتماع ليل أمس ضم وزير المال علي حسن خليل ووزير الصحة وائل أبو فاعور ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري في وزارة المال، فإن أيّ تقدّم جدّي لم يُسجّل لحل العُقد الثلاث المتشابكة: عقد جلسة تشريعية، انتخاب رئيس للجمهورية، والأزمة الحكومية.

ورغم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتاد نشر أجواء إيجابية، يؤشر كلامه أمس أمام زواره إلى انسداد الأفق حالياً أمام المتحاورين. فقد أعاد بري مساء أمس التأكيد أمام زواره أن لا «إشارات إيجابية الى انعقاد جلسة لمجلس النواب لبتّ تسديد رواتب موظفي القطاع العام». وقال إنه «لا اتصالات ومشاورات في هذا الصدد»، مشيراً الى أنه «لا رواتب لموظفي القطاع العام نهاية هذا الشهر إذا لم يعقد مجلس النواب جلسة ويقرّ قانوناً بذلك»، مصراً على أنه لن يسمح «بمخالفة القانون مجدداً وتسديد الرواتب بالطريقة التي اعتمدت منذ عام 2005 بقرار حكومي خلافاً للأصول القانونية، وهو ما يريده تيار المستقبل».
ولاحظ بري أن الحوار مع تيار المستقبل لم يُفض إلى نتيجة مجدية، «بدليل الخلاف على عقد جلسة مجلس النواب، وهو كان محور الحوار مع التيار»، لكنه لفت الى أن «تعثّر هذا الحوار إشارة سلبية إلى النائب وليد جنبلاط وليس إليّ، خصوصاً أن جنبلاط بذل جهوداً لإطلاق الحوار. وعندما يردّ تيار المستقبل بطريقة سلبية على انعقاد الجلسة، فإن الرسالة ليست إليّ فحسب. لم أعد أعرف ماذا يفعل هذا المجلس، لا هو ينتخب رئيساً للجمهورية، ولا يجتمع للتشريع، ولا يراقب ويحاسب. ماذا يفعل؟ هل هو من أجل أن يقبض النواب معاشاتهم».
وأكد رئيس المجلس أن مشكلة رواتب القطاع العام «ليست ابنة ساعتها، وهي بدأت أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي أحالت على مجلس النواب مشروعاً بتسديدها لسنة، إلا أن الرئيس فؤاد السنيورة وقف في الجلسة واشترط إقرار 80 في المئة من الرواتب في مقابل إبقاء 20 في المئة معلقة موقتاً إلى حين وضع الموازنة العامة، بغية إرغام الحكومة آنذاك على استعجال إنجازها، وهو ما حصل بأن أقرّ المجلس 80 في المئة وبقيت الـ20 في المئة التي تبلغ 1400 مليار ليرة، وهو المبلغ الذي تحول اليوم إلى مشكلة ويحتاج إقراره الى جلسة لمجلس النواب. أما وان وزير المال علي حسن خليل أعدّ موازنة 2014 فلماذا رفض إقرار المبلغ المتبقي في مجلس النواب، ما دام شرط السنيورة ربط القسم المتبقي بإنجاز الموازنة. لا يريدون عقد جلسة لرواتب الموظفين ويتسببون بمشكلة، ويتحمّسون لإقرار اليوروبوند ويربطون إقرار سلسلة الرواتب والرتب بشروط».
وسئل بري هل يلمس بشائر تمديد ولاية مجلس النواب، فأجاب: «تبدأ الرائحة إذا تخطّينا منتصف آب ولم ننتخب رئيساً للجمهورية، تفوح الرائحة حينئذ عند البعض، وخصوصاً تيار المستقبل الذي يتحجّج بأن إجراء الانتخابات النيابية من دون انتخاب رئيس الجمهورية سيؤدي الى استقالة الحكومة حتماً، وتالياً ستطرح مشكلة مَن يجري الاستشارات النيابية الملزمة في غياب الرئيس. لذلك أقول إنه يجب انتخاب الرئيس من الآن حتى منتصف آب لئلا نقع في المحظور».
وأكد بري أن الظرف الأمني يسمح بإجراء الانتخابات النيابية «إلا إذا حدث تطور أمني كبير يحول دون ذلك، خصوصاً أن الدوائر المعنية تستعد لها. أما عدم التحوّط لهذا الاستحقاق فهو سيضع البلاد في فراغ فوق فراغ. لا رئيس للجمهورية، ولا حكومة، ولا مجلس نيابياً».
كذلك سُئل عمّا يجري تداوله بشأن شراء المياه من تركيا، فأجاب: «لدينا مياه عذبة للشرب من مناطق بحرية في صور وقبالة المعاملتين والشمال. يمكن استخراج مياه الشرب منها لمواجهة المشكلة. كنت اختبرت شخصياً هذه المياه المتدفقة بكميات غير محددة في وقت سابق قبالة شاطئ صور، علماً بأنني عرضت الأمر على المسؤولين القبارصة عندما زرت الجزيرة. مع ذلك يتحدثون عن شراء المياه. كل ما يتطلّبه الأمر هو مدّ قساطل لسحب المياه الى البر».
على صعيد آخر، تبقى الكلمة التي سيُلقيها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري اليوم، في الإفطار السنوي للتيار، هي التطور الوحيد الذي يُمكن أن يُحدث خرقاً في جدار الأزمة. مصادر في 8 آذار تُشير إلى أن «فريقنا ينتظر كلمة الحريري ليبني على الشيء مقتضاه». وفي الوقت الذي أعربت فيه المصادر عن أملها بأن «تحمِل كلمة الرئيس الحريري جديداً يُمكن التعويل عليه»، استبعدت أن «يُحدث خطابه صدمة إيجابية، ولا سيما أن لا متغيرات في المشهد الإقليمي». أوساط في قوى الرابع عشر من آذار ذكرت أن «الرئيس سعد الحريري يتحاشى الدخول في لعبة الأسماء المارونية حتى لا يُثير أي حساسيات يُفهم منها أنه هو من يُسمّي الرئيس الماروني، وجلّ ما فعله هو دعم ترشيح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع كمرشح قوى ١٤ آذار». وتشير الأوساط إلى أن «الحريري استاء من رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط لتسميته مرشحاً مارونياً هو النائب هنري حلو، وهو استاء أيضاً عند إصرار جنبلاط على عدم التخلّي عن حلو». وتتحدّث الأوساط عن أن «مردّ الاستياء من جنبلاط الى أنه قام بالأمر نفسه مع الطائفة السنيّة حين سمّى الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة بعد استقالة الحريري، وحاول الإيحاء بالأمر نفسه عند تسمية الرئيس تمام سلام». ولفتت هذه الأوساط إلى أنه «وفق ذلك فإن الحريري سيتناول في كلمته الملف الرئاسي انطلاقاً من مبادرة جعجع الأخيرة من أجل الوصول إلى تفاهم حول الانتخابات الرئاسية».
وفيما يستمر الجدل بين فريق الرابع عشر من آذار، وتحديداً المستقبل، ووزير المال علي حسن خليل بشأن قانون الإنفاق، أعاد الأخير التأكيد أن «لا رواتب لموظفي القطاع العام إلا بعد تشريع الإنفاق العام»، مؤكداً أن «لا خلفية سياسية لموقفي الذي أعلنته منذ أول جلسة لمجلس الوزراء وليس مرتبطاً بالفراغ الرئاسي». وقال: «أنجزنا مشروع الموازنة، والأصوات ذاتها التي كانت تشكّك في الأمر كانت تُطالب بإنجاز الموازنة. ولكن من الآن حتى إقرارها أعددنا أنفسنا لها والمطلوب أن نُشرّع إنفاقنا»، فيما كرر عضو كتلة المستقبل النائب أحمد فتفت «استعداد تيار المستقبل للمشاركة في جلسة تشريعية في حال الاتفاق على جدول الأعمال، ومسألة الأوروبوند».
حكومياً، يُقفل الأسبوع على ما كان قد بدأ عليه، حيث تستمر الأزمة الحكومية. في هذا الإطار، كشفت مصادر وزارية لـ«الأخبار» أن «رئيس الحكومة تمّام سلام يُبدي استياءه من هذه الحال، مُعرباً عن ندمه من الصيغة التوافقية الحكومية». في المقابل، أكدت مصادر سلام أنه «حريص على التعاطي بعقلانية مع جميع الأفرقاء، وأن فضح الأمور ليس أسلوب الرئيس سلام». وأكدت المصادر أن «تأكيد الجميع خلال لقائهم الرئيس حرصهم على عمل الحكومة واستمرارها خلق نوعاً من التهدئة بين الأطراف المشاركة». ونفت المصادر ما يُقال عن استياء رئيس الحكومة من الصيغة التوافقية، إذ إن «سلام ساهم في إخراجها»، مشيرة إلى أن «قضية التواقيع يُساء فهمها، وأن سلام لديه الحق في اللجوء إلى التصويت في حال تعذّر الاتفاق، لكنه حتى الآن يُصرّ على التوافق لأنه يتحاشى انفجار الحكومة أو تناحر الأطراف المشاركة فيها». ولفتت المصادر إلى أنها «لمست من خلال حديثها مع الرئيس سلام نيته عقد جلسة حكومية نهار الخميس المقبل، من دون أن يقول ذلك علناً».