بعدما كانت أرزة لبنان مَحمية بنضالٍ مسيحيّ ومقاومة عبر العصور منذ أيام البطريرك الأوّل، أبو القومية اللبنانية يوحنا مارون، وبعدما شكّلت الرئاسة المارونية خطّاً أحمرَ مُنع المساسُ بها منذ ما يُقارب القرن، يتخوَّف المسيحيّون اليوم من تجاوز الداخل والخارج خطَّهم الأحمر، ويأسفون لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وتزيد نقمتُهم على النوّاب المسيحيين المعطّلين الذين يُخسِّرونهم رئاسة لبنان، التي طالما رمزَت إلى صليبهم الذي ما زال يرتفع عالياً على رغم نفَق التطرّف الذي يجتاح هذا الشرق.

قد يكون اللبنانيون على موعدٍ الأحد المقبل مع تحرّك مفاجئ تزامُناً مع عظة ناريّة للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال قدّاس الأحد في بكركي، قد يدعو فيها الجميع إلى تحمّل واجباتهم الوطنية تحت طائلة المسؤولية.

وفي المعلومات أنّ عظة الأحد قد تحمل دعوة غيرَ مباشرة، ليس إلى النواب فقط، بل إلى اللبنانيّين والمجتمع المدني، ليتحمَّل الجميع مسؤولياتهم، كلٌّ وفق طاقاته وإمكاناته وموقعه.

هذا الموقف المتصاعد جاء نتيجة زيارات متعدّدة لشبّان من الأخويّات والأحزاب المسيحية والتجمّعات المدنية إلى بكركي، يطالبون فيها بالتحرّك والحسم في الملف الرئاسي، متمنّين على البطريرك اتّخاذ قرارات أكثر صرامةً، فانفعل الراعي، حسبما كشفت المصادر، وقال: «تأتون إليَّ غاضبين في كلّ مرّة لأتحرّك، ألا تعتقدون أنّ الوقت حان لتتحرّكوا أنتم، إنْ كنتم فعلاً مهتمّين وتعتبرون أنفسَكم معنيّين وهذا البلد بلدكم؟ إذا كانت الرئاسة تعنيكم فعليكم أنتم أيضاً بالتحرّك».

هذا التحرّك الميداني لا تُعرف وجهتُه حتى الساعة، لكن من المرجّح أن يُشارك فيه شباب من المجتمع المدني ومن التيارات والأحزاب المسيحية، للمطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية. أمّا الوجهة فقد تكون قصرَ بعبدا، مع إمكان أن يشمل التحرّك منازل النوّاب، مع دعم وسائل إعلامية بدأت منذ فترة بدعوةِ الشباب المدني والمسؤول إلى التحرّك لإنقاذ ما تبقّى من الجمهورية.

وستبدأ صباح اليوم الدعوة للنزول إلى الشارع يوم الأحد، وستستمرّ حتى موعد عظة البطريرك.ى وتقول مصادر مقرّبة من بكركي إنّ عظة الراعي ستكون عالية اللهجة ومختلفةً، تتضمَّن تحذيرات جدّية، خصوصاً للنواب المسيحيين المقاطعين جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، كاشفةً أنّ البطريرك سيحضّ النواب مجدّداً على حضور جلسة الأربعاء 23 الجاري، وقد يعلن أنّ ما بعد الأربعاء لن يكون كما قبله.

وفي اتّصال مع «الجمهورية»، نفى المطران سمير مظلوم علمَه بالأمر، لكنّه لم ينفِ إمكانَ التحرّك، «لكن ليس بالضرورة أن تكون بكركي قد دعَت إليه، إذ إنّ الجمعيات والشباب الذين يقصدون بكركي يومياً كثُر». ولا يستبعد مظلوم أن يكون البطريرك قد أجاب أحدَهم: «كفّوا عن مطالبتي بالتحرّك، وتحرّكوا أنتم أيضاً»، مستغرباً استغرابَ هذا الأمر: «لن نفاجَأ بحصول هذا الأمر إنّما بعدم حصوله سابقاً.

فقد كان على المجتمع المدني والشباب المسؤول التحرّك، ليس الأحد المقبل إنّما منذ زمن، لكن في إطار الحفاظ على الشروط القانونية للتظاهر والحفاظ على السِلم الأهلي».

وفي الوقت نفسِه أكّد مظلوم أنّ بكركي لا تدعو الناس للنزول إلى الشارع، ولا تُنظّم تظاهرات، إلّا أنّها تسعى دائماً إلى حضّ المسؤولين والمَعنيين والنواب على انتخاب رئيس للبنان. وأوضحَ أنّ «البعض يقصد البطريرك ويضع المسؤولية عليه، وبالتالي من الطبيعي أن يقول لهؤلاء، تحمَّلوا المسؤولية بدوركم، وتحرّكوا كلّ واحدٍ ضمن إمكاناته، لكنّ ذلك لا يعني أنّ البطريرك يُنظّم التظاهرات».

وعن العِظة القوية اللهجة التي من المرجّح أن يُطلقها الراعي الأحد المقبل، لفتَ مظلوم إلى أنّ عظات الراعي لم تخلُ من الحدّة في الآونة الأخيرة، وكانت تزيد قساوةً كلّ أحد، نافياً علمَه بمضمونها. وأضاف: «فلننتظِر الخطاب لنرى كيف ستكون لهجته، لماذا التنبّؤ منذ الآن؟»

وعمّا إذا كانت ستفاجَأ بكركي بتحرّك الأحد، أجاب: «هم «شاطرين بالحَكي» ولا أحد يتحرّك، وإذا تحرّكوا لن نفاجَأ، بل سنعلم أنّهم أدركوا أخيراً واجباتهم». وأوضحَ أنّ «بكركي يهمّها انتخاب رئيس للجمهورية وأن نصل إلى نتيجة»، داعياً الدولة إلى حفظ الأمن في حال حصل هذا التحرّك «لتحميه، شرط أن يكون سلمياً وتحت سقف القانون وحرية التعبير، وعدم حصول مشاغبات».