يبدو أن هناك شبه إجماع عند المحللين في واشنطن على أن الحزب الجمهوري سيحتفظ بالغالبية في مجلس النواب في الانتخابات النصفية التي ستجري في شهر تشرين الثاني المقبل، وعلى أنه سيحصل على غالبية المقاعد في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يجعله مسيطراً تماماً على العملية التشريعية. لكن هؤلاء يعتقدون في الوقت نفسه أن الحزب الديموقراطي قد يستعيد الغالبية في مجلس الشيوخ في الانتخابات العامة عام 2016 إذا كانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون مرشحته لرئاسة الولايات المتحدة.
ماذا تعني سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه؟
تعني في نظر كثيرين من هؤلاء وقوع أميركا في مأزق مهم. ذلك أن التشريعات التي ستصدر عنه قد لا تُطبَّق لأن الرئيس باراك أوباما لن يوقعها كي تصبح نافذة، إذا كانت منطلقة بحسب تقديره من الكيدية والمشاكسة التي مارسها معه الجمهوريون منذ وصوله إلى البيت الأبيض، ومن الرغبة في إفشاله ومنعه من دخول التاريخ على نحو مشرف، أو فرض اتجاهات عليه يرى إنها ستلحق ببلاده ومصالحها أذى كبيراً في حال قوننتها. وهذا أمر يمكن أن يحصل وخصوصاً بعدما فرِّخ داخل الحزب الجمهوري حزب آخر "متطرِّف" سمي "حزب الشاي"، وبعدما حال هذا الحزب الوليد دون اتفاق أعضاء الحزبين في الكونغرس على تشريعات عدَّة أكثر من مرة. وسيتابع أوباما ممارسة مهماته بواسطة قرارات ومراسيم رئاسية، وذلك أمر يسمح له به الدستور. ومن شأن ذلك دفعه إلى الإهتمام أكثر بتثبيت إرثه التاريخي من خلال استكمال إنجاز ما لم ينجزه من برنامجه الرئاسي وخصوصاً في الداخل، وتثبيت موقعه في التاريخ باهتمامه بالقضايا الدولية المعقدة. وهي كثيرة جداً.
هل يعني ذلك أن أوباما لم ينجح حتى الآن في إثبات كل ذلك؟
يعتقد عدد من المحللين الأميركيين أنفسهم أنه قام بالكثير على هذا الصعيد، وباتت في رصيده إنجازات داخلية مهمة من شأنها جعل بصمته في تاريخ بلاده واضحة. فقانون الضمان الصحي مرّ في الكونغرس ودخل حيز التنفيذ رغم المعارضة الشديدة التي واجهته. ولم تقلِّل التعديلات التي أدخلت عليه بموافقته بعد اصرار الجمهوريين عليها من أهميته لملايين الأميركيين. وعلى الصعيد الخارجي سحب القوات العسكرية الأميركية من العراق وهو يتأهب لسحبها من أفغانستان. ويتساءل هؤلاء عن الإنجازات الأخرى التي على أوباما أن يحققها كي يكون مستحقاً مرتبة مهمة في تاريخ بلاده. ويرون أن عليه ربما أن يشغل نفسه أكثر بالأزمات الناشبة في العالم إذ ربما يزيد من حظوظ إنصاف التاريخ له مستقبلاً. علماً أنه في الأزمة الأوكرانية الداخلية كما في الأزمة الأوكرانية – الروسية نجح في دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى "الاقتناع"، بعد احتلال شبه جزيرة القرم، بعدم الاستمرار في تحريض الشعوب التي من أصل روسي في دول أوروبية شرقية عدة على الانفصال والالتحاق بالوطن الأم. طبعاً، يلفت هؤلاء، لم يفكر أوباما يوماً في زعزعة حكم بوتين أو في قلبه علماً أن ذلك ليس في مقدوره. لكنه أراد من خلال موقفه الصلب والمرِن في آن واحد من الموضوع الأوكراني رسم خط يؤكد فيه لروسيا أن قضم اراضي الدول المجاورة لها لأي سبب لن يكون مقبولاً ولا مسموحاً به، وعندما يستوعب زعيمها ورئيسها بوتين ذلك فإن "العزلة" الدولية التي فُرضت عليها تُرفع، وتُدعى من جديد إلى العودة إلى مجموعة الدول السبع التي صارت "الثماني" بعد انضمامها (أي روسيا) إليها. كما تفتح لها الأبواب للعودة إلى الاشتراك في أنشطة متنوعة غربية واوروبية وأطلسية. علماً أنها هي بادرت إلى وقف اشتراكها في بعض هذه الأنشطة.
أما في "الأزمة" الدولية – الإيرانية وأيضاً الأميركية – الإيرانية التي تسببت بها نووية إيران ومشروعاتها الإقليمية، فإن المحللين أنفسهم يعتقدون أن أوباما يقود مفاوضات بلاده لحلها في طريقة جيدة صلبة ومرنة في الوقت نفسه. لكن الذي لا يزال مجهولاً حتى الآن هو: إلى أي مدى تريد أن تذهب إيران في التفاوض وعبره. هل تريد الحد الأدنى فقط أي المتمثل برفع العقوبات؟ أم تريد اتفاقاً بل تحالفاً (Entente) مع أميركا؟ وهل بدأ الانقسام داخل إيران بين الولي الفقيه والمحافظين من جهة ورئيس الجمهورية والمعتدلين من جهة أخرى على "النووي" وعلى قضايا داخلية عدة؟
طبعاً هذه الأسئلة التطورات في الشرق الأوسط وحدها تجيب عنها.