لا أحد يجهل في لبنان وخارجه أن لـ"الاخوان المسلمين اللبنانيين" الناشطين باسم "الجماعة الاسلامية" جناحاً عسكرياً مقاوماً لإسرائيل منذ احتلالها أجزاء واسعة في الجنوب والبقاع الغربي يحمل اسم "الفجر". ولا أحد يجهل أيضاً أن مواقعه العسكرية، إذا جاز التعبير على هذا النحو، تركزت في مناطق جنوبية بيئتها الشعبية "حاضنة" له ولا تشعر بحساسية من أي نوع حياله. ولا أحد يجهل ثالثاً أنه لم يمارس العمل المقاوم الذي أُنشئ من أجله ربما على النحو الذي كان يتمناه لأن ظروف لبنان، فضلاً عن حساسياته وشعوبه والوصاية السورية عليه، حصرت الى حد كبير المقاومة الفعلية واليومية والناجحة جداً بفريق واحد هو "حزب الله". وقد ساعده في ذلك كونه ابن البيئة الشعبية التي تشكل الغالبية من أبناء المناطق اللبنانية المحتلة من اسرائيل. علماً أن ذلك لا يعني أبداً ان "الفجر" لم يشارك في مقاومة الاعتداءات الاسرائيلية الواسعة على لبنان والتي تمثّلت باجتياحات جوية وصاروخية ومدفعية حيناً، وباجتياحات برية احياناً كان آخرها حرب تموز 2006. ولا يعني أبداً ايضاً أن "حزب الله" كان ينظر إليه بحذر أو بقلق. وعلى العكس من ذلك فان نوعاً من التعاون كان قائماً بينهما، لكن طبعاً لا يمكن الحديث هنا عن "حزمة مُقاوِمة" واحدة لأسباب كثيرة يعرفها اللبنانيون والعرب. فـ"الفجر" هو جزء من "الجماعة الاسلامية" وهي التسمية "الاخوانية" في لبنان. والعلاقة بينها وبين "الحزب" لم تكن ممتازة ولم تكن عدائية، بل كانت علاقة يحكمها العقل والمنطق والأهداف الكبرى، والحرص الدائم على العمل معاً لتجنب الاحتكاكات المذهبية رغم الاختلاف في الكثير من السياسات والمنطلقات بينهما. لكن لا أحد في لبنان وخارجه كان يفكر في أن "الفجر" أو شخصاً محترماً من قادته وموجِّهيه السياسيّين والدينيّين ينفذ عملاً ضد اسرائيل في وقت يجمع اللبنانيون على ضرورة عدم اعطائها أي مبرر لتوجيه ضربة الى بلادهم. ذلك أن من شأنها في ظل حربه المذهبية "السلمية" حتى الآن، وحربه الطائفية السلمية ايضاً، والشلل التام أو شبه التام في دولته، وانهماك الجسم المقاوم الأول والأكثر فاعلية في سوريا وعلى الحدود الشرقية وفي الداخل، من شأنها رمي الشعوب اللبنانية في الأتون المتأجّج في محيط وطنها وخارجه. ولذلك فان أسئلة كثيرة طرحها اللبنانيون على أنفسهم مثل: هل قرّرت "الجماعة الاسلامية" ممارسة المقاومة على نطاق واسع اليوم وفي ظروف غير ملائمة على الاطلاق؟ وهل تتحمَّل مسؤولية اطلاق اسرائيل حرباً جديدة على لبنان؟ وهل تتحمَّل مسؤولية تحويل الحرب المذهبية في لبنان من سياسية واسعة وأمنية محدودة حتى الآن الى اقتتال اهلي؟ علماً انها كانت دائماً تسعى في الأوساط السنّية اللبنانية، ولاسيما بعد انتشار التيارات الأصولية فيها وسيادة التطرّف مواقف بعضها، الى التهدئة والابتعاد عن العنف مع التمسّك بثوابت الموقف السياسي "السنّي". وعلماً ايضاً أن "شعرة معاوية"، كما يقال، لا تزال غير منقطعة بينها وبين "حزب الله" وذلك بقرار عاقل من الاثنين هدفه ابعاد شبح الاقتتال الأهلي ما دام ذلك ممكناً. وعلماً أخيراً انها (أي "الجماعة") لم تكن تنظر بارتياح الى الصواريخ العشوائية التي كانت تُطلق على اسرائيل في السابق من جماعات عدة بعضها لبناني وبعضها فلسطيني لأنها تفيدها وتؤذي لبنان. ولعل السؤال الأهم الذي يطرحه اللبنانيون اليوم هو هل قررت "الجماعة الاسلامية" اللبنانية (الانخراط) في الصراع الذي تخوضه "جماعة الاخوان المسلمين" التي هي جزء منها في المنطقة، ولاسيما في سوريا ومصر وليبيا والسودان واليمن ودول اخرى غيرها، وذلك بعدما شعرت أنها مستهدفة من الأنظمة العربية كلها ومن أنظمة عدة في العالم الاسلامي؟
طبعاً ليست هناك أجوبة حاسمة وجازمة عن هذه الاسئلة وأخرى كثيرة غيرها. لكن ما يدفع الى الاعتقاد باستمرار تعقُّل "الجماعة"، وفي ظل غياب دليل حسي على قرار جماعي لها بدخول ساحة الصراع المتنوع في الداخل اللبناني، هو الجهد الذي بذلته في طرابلس مع جهات إسلامية عدة بعدم خرق "الخطة الامنية". وكان المبرر الذي استعملت هو أن فشلها يعني حرباً طاحنة قد تدفع بعض المتحمسين الى محاولة إحداث "اختراقات جغرافية". ومن شأن ذلك دفع قوات الرئيس بشار الأسد الى "ضرب" المدينة أو ربما الى دخول الشمال جزئياً أو ربما كلياً. وما "تحقّقه" التيارات الاسلامية المتطرّفة هذه الأيام من "نجاحات" قد يجعل الغرب "يطنّش" عن خطوات كثيرة.