أعاد رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في ايران الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني قبل يومين تكرار ما سبقه اليه مسؤولون ايرانيون لجهة الاعلان ان بلاده مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة بشأن أزمة العراق معتبراً ان هناك قضايا مشتركة للبلدين في العراق ولا يوجد مانع امام تعاونهما لو رأى البلدان ضرورة التعاون فيمكنهما ان يخططا لذلك. وفيما امتنع المسؤولون الايرانيون عن اعلان موقف صريح مماثل في ما يتعلق بدول الخليج العربي المؤثرة أيضاً في العراق، توجه معاون وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبد اللهيان الى كل من عمان والامارات العربية والكويت حيث اعلن ان امن العراق هو من أمن الدول الخليجية، وحض دول المنطقة على تعاون جماعي من اجل مساعدة العراق على مواجهة الارهاب كما قال أملاً على الارجح ان تتوسط هذه الدول مع المملكة العربية السعودية من اجل الحصول على تعاونها أيضاً في هذا الاطار، في ظل توتر ايراني سعودي لا يسمح بزيارة مماثلة الى الرياض أيضاً خصوصا بعد اتهامات ايرانية للمملكة بانها تقف وراء هذا التنظيم.

تعبر هذه المواقف وفق مصادر سياسية متابعة عن مأزق متواصل لايران في العراق لم تساهم الاجراءات العسكرية ولا المسار السياسي الذي تجري المشاورات في شأنه في البرلمان العراقي من اجل تعيين او تكليف شخصيات عراقية الرئاسات الثلاث كما المشاورات خارج البرلمان مع القوى السياسية في التخفيف من وطأته. فطهران عمليا لا تستطيع في ضوء التطورات الاخيرة التي تمثلت في اعلان الاكراد نيتهم في تنظيم استفتاء حول الاستقلال الذاتي والانتفاضة السنية على حكم نوري المالكي الى جانب اعلان نشوء دولة " خلافة اسلامية " في مناطق في العراق ادارة المسرح العراقي وحدها لاعتبارات متعددة، يتصل غالبيتها بالطابع المذهبي لتدخلها الى جانب الشيعة في العراق ودعم سلطتهم المطلقة. ولا يزال الارباك متمكناً من مواقفها اذ سبق لمرشد الجمهورية الاسلامية علي خامنئي ان اعلن قبل اسبوعين معارضة بلاده بشدة تدخل اميركا او اي دولة اخرى في شؤون العراق، واتهم واشنطن بانها تريد وضع العراق تحت سيطرتها وزرع عملائها في السلطة كما اتهمها واتهم دولا عربية من دول الخليج بدعم تنظيم داعش فيما لا تزال توجه دعوات لمشاركتها او للتعاون في العراق وان تحت شروط ايران. وهذه المواقف تعد رسالة ايرانية جديدة او غير معهودة وتعبر عن مقاربة محدثة نسبياً، خصوصاً ان ايران قررت التوجه نحو الدول المجاورة وكأنها وعت ضرورة عدم حصر رغبتها في التعاون في الموضوع العراقي مع الولايات المتحدة وحدها كما بدا في وقت سابق، حيث كانت تختصر ما يجري في العراق بالقدرة على ايجاد حل بينها وبين واشنطن فحسب من دون ان تعير الدول المجاورة اي قيمة على ان يكون للعاصمة الاميركية التأثير على حلفائها من دول الخليج، علما ان عامل اللاثقة ليس قليلا في العلاقات بين ايران ودول الخليج العربي، فيما واشنطن ستكون في وضع صعب مع حلفائها في المنطقة اذا قررت الذهاب الى تعاون مع ايران في العراق تستبعد فيه اي مشاركة فعلية او على الاقل غير مباشرة لدول الخليج.
تقول مصادر معنية ان ما تبحث عنه طهران هو التعاون وفق ما هو معلن، ويبدو انها تحرص على تبديد الانطباع عن استدراج شراكة في النفوذ في الموضوع العراقي بل الحديث هو عن تعاون في موضوع محدد هو مواجهة الارهاب كما تقول. واستعداد طهران للتعاون مع الولايات المتحدة امر يدرجه المتابعون في اطار الرغبة في الحصول على اقرار اميركي بالنفوذ الايراني في بغداد والتسليم به من ضمن حق ايران بنفوذ اقليمي مكمل لحماية مصالحها في العراق وسوريا ولبنان ايضاً. لكن المصادر السياسية المتابعة تعنى بمعرفة اذا كانت ايران رغبت فقط في الزيارات الى الدول الخليجية في تبديد الطابع المذهبي لما يجري في العراق وتوضيح ان انخراطها عسكريا دعما للسلطة العراقية هناك هو في وجه تنظيم داعش وليس ضد السنة، وفق ما يرجح البعض، او انها سعت الى تعاون عربي جدي وفعلي في الموضوع العراقي بحيث ان التوجه نحو هذه الدول هو لاشراكها في المعركة ضد الارهاب في العراق ومن زاوية الحاجة الى التغطية السنية التي تفتقدها ايران في مواجهتها العسكرية في العراق. وتاليا ما مدى التعاون الذي تسعى اليه ايران وطبيعته وما هو المقابل، في حال وجد، الذي عرضته ايران على الدول الخليجية للتعاون وهل هو مجرد التخويف من داعش الذي بات يدق ابواب المملكة السعودية ايضا والاردن وربما دول اخرى، ام هل تعمل على بيع نوري المالكي والتخلي عنه بثمن لقاء تعاون في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية بدلا من ان يكون التخلي عن المالكي من دون اي ضمانات فعلية من هذه الدول كأنما ذلك تنازل من جانبها تحت الضغط وفق ما يمكن ان يوحي التخلي عن نوري المالكي، فيما لا تنوي ايران الخضوع لهذا الضغط وتود ان يكون ذلك من ضمن تنسيق لا يظهر نجاح الضغوط الميدانية الانفصالية عليها.
لكن ما لا يبدو محتملا بالنسبة الى هذه المصادر ان تكون ايران تبحث عن اتفاق اقليمي فعلي حول العراق اقله في المرحلة الراهنة وفي عز مفاوضات ضاغطة حول ملفها النووي خصوصا ان المكونات الضرورية له غير متوافرة بعد.