ما سرّ هذا التألّق سيّدي يا فضل الله؟ أربع سنوات مضت على ارتحال روحك الطاهرة إلى الملكوت الأعلى، ولا يزال حبّك يخفق في قلوب محبّيك. زرعت في قلوبنا وعقولنا الوعي والإسلام الأصيل، فكيف لنا أن نضلّ الطّريق؟ رحت عنّا والموت حقّ، وبقيت فكراً ونهجاً سيستعر عاماً بعد عام، لأنّنا نحتاج ربما إلى سنوات وسنوات كي نحيط بما تركت لنا من إرث كبير، وأنت الّذي كنت تحدّثنا عن المستقبل كأنّك تراه، وها نحن نعيش واقعنا الّذي استشرفته بحكمتك وعلمك وفكرك الّذي لا ينضب.

في هذا التّحقيق، نعرض لآراء أشخاص عايشوا سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض)، ونهلوا من علمه وفكره الوافر.

شكراً سيّدي يا فضل الله

يتحدَّث الحاج عامر أبو جعفر عن علاقته بسماحة السيّد فضل الله، الَّتي امتدّت على مدى ثلاثين عاماً، وبدأت من مسجد الإمام الرّضا(ع) في بئر العبد، حيث نهل من فكر سماحته الكثير الكثير.

كان السيّد الملجأ لأبي جعفر الّذي كان يسأله في أموره كافة، فيسأله النصيحة ويعمل بها، ويوضح بالقول: "كان السيّد الملاذ لفكرنا وروحنا، وما زال كذلك. إنّ السيّد حاضر في قلوبنا، لأنه زرع فيها الفكر والثقافة والوعي. لذا، من المستحيل أن ننساه، وسنبقى على الخط والنهج الذي رسمه لنا على مدى سنوات طوال. رحل سماحة السيد جسداً، ولكن فكره سيبقى راسخاً في نفوسنا".

وحول تجربته الشخصية مع سماحته، يقول الحاج أبو جعفر: "تعرفت إلى سماحة السيد في مسجد الإمام الرضا(ع)، وتعرفت إلى مسجد الإمام الرضا(ع) من خلال سماحة السيد، فالمسجد وسماحة السيد متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، وقد كان السيد يوصينا دائماً بالمسجد، وسعى إلى تكريس دوره من خلال جعله منطلقاً للقادة والمجاهدين بالفكر والتعبئة".

المسجد وسماحة السيّد متلازمان، ولا ينفصلان عن بعضهما البعض

وفيما يتعلّق بما تعلّمه من المرجع فضل الله، يلفت أبو جعفر إلى أنّ "سماحته كان ينطلق في رسالته من الآية المباركة: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29]، فكان يعيش الحرية في مواقفه وحياته، وأكثر ما أذكره هو عبارة: "يقولون إنّ فلاناً آدمي وكريم، ولكنَّ مشكلته أنه لا يصلّي، وأنا أقول لكم: هذا الشخص ليس آدمياً، فمن ليس له ارتباط بالله، كيف لي أن أعطيه صفة الأودمة".

ويختم قائلاً: "كان السيّد لنا مرجعاً، ليس فقط في الأمور الفقهيّة، بل في أمور حياتنا ككلّ، سواء في علاقاتنا الخاصّة أو العامّة، كنت أسأله عن رأيه في كيفيّة التعاطي مع الأقارب والجيران وحتى مع الأسرة. أتوجّه إلى روحه الطّاهرة، وأقول له: شكراً لك على كلّ فكر أعطيتنا إيّاه، شكراً على ما أعطيتنا إيّاه من روحية في الدّعاء، شكراً على كلّ ما علّمتني إياه يا والدي سماحة السيّد محمد حسين فضل الله".

بدورها، تقول الحاجة أم هشام فحص هذه الكلمات في ذكرى الرّحيل: "رحمك الله يا سيدنا، ونفتقدك في هذه الأيام، كنت لنا الأب والأخ والمرجع، ونفتقدك في هذا الشهر الكريم الذي كنت تنشغل فيه بالدّعاء والصّلاة وهداية الناس. لقد شعرنا بالفقد الكبير برحيلك، وإن شاء الله، سنكمل المسيرة التي أسّست".

السيّد المبدع

يتحدّث الحاج رضا خلف عن أعوام طويلة أمضاها عن قرب مع سماحة السيّد فضل الله في جامع الرّضا(ع) في بئر العبد، حتى تأثّر كثيراً بشخصيّته الإيمانية والروحية: "كانت همة السيد قوية على العبادة، وربما يعجز الكثير منا على المداومة على كثير من المستحبات والعبادات، من صلاة جماعة وصلاة جمعة، كان يخطب الجمعة، ويصلي بالرجال في جامع بئر العبد، ثم يعيد الخطبة والصلاة بالنساء، كنت أتعجب من هذه الهمة العالية التي ما خفّت على مدى السنوات، بل زادت، فكان سماحته في حالة تطوّر دائم على مختلف الصعد الروحية والفكرية والعقلية، وكان مبدعاً بكل ما للكلمة من معنى".

ويضيف الحاج رضا: "تعلّمنا من سماحة السيد الكثير؛ تعلّمنا منه الالتزام بأوقات الصلاة والعبادات، وكان في شهر رمضان يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، من خلال الدعاء الذي كان يحرص عليه يومياً، ولا سيما في ليالي القدر المباركة".

ويختم قائلاً: "كان السيّد جريئاً في تحمّل المسؤولية، وكان الدّاعم والداعي لمقاومة المحتل، لم يتوان عن خدمة الإسلام للحظة، نفتقده كثيراً، ونسأل الله أن يتغمّده برحمته الواسعة".

رجل استثنائيّ

من جهتها، ترى السيّدة دلال يوسف أحمد، أن سماحة السيد رجل استثنائي في هذا الزمن الذي نعيشه، فقد سعى طوال سني حياته إلى خدمة الإنسان والمجتمع، وتقول: "لم يميز يوماً بين إنسان وآخر، وقد سعى من خلال مؤسسات الخير لخدمة كلّ إنسان، دون تمييز لجهة الطائفة والمذهب، ونذر نفسه ليخفّف من آهات الأيتام والمساكين".

السيّد فضل الله رجل استثنائيّ في هذا الزّمن الذي نعيشه

وتضيف: "كان سماحته قريباً من الناس، يشاركهم همومهم، ويستمع إليهم، كان قلبه وبيته مفتوحين للجميع. نفتقده وسيبقى في قلوبنا".

أعزائي القرّاء، يطول الحديث عن سماحة السيّد محمد حسين فضل الله(رض) في الوجدان الشعبي، فكلّ من عرف سماحته أحبّه وتعلّم منه الكثير، وهو الذي كان قريباً من الناس، يشاركهم همومهم ومشاكلهم، كيف لا، وهو صاحب مقولة: "القلب مفتوح والبيت مفتوح"! لذا، بقي السيّد في قلوب محبّيه سحراً لا يمحوه الغياب.