صام دهراً ونطقك كفراً...هي العبارة التي تعبّر أصدق التعبير عن موقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون.

تأخر العماد في إعلان مبادرته، فاستشرفنا بها خيراً وإذا بها تكون مبادرة حق يراد بها باطل، طبخة السمّ تلك كانت حاضرة منذ حوالى ثلاثة أسابيع. شاركه في إعدادها نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، والوزير السابق سليم جريصاتي.

وانشغلَ الوسط السياسي بقراءة أبعاد المبادرة التي طرحها الجنرال، وراحوا يغوصون في مياهها العكرة ليصطادوا منها الرسائل التي أراد الجنرال توجيهها، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة صعوداً للتطرّف، وما ينتج عنه من ارتفاع المخاوف المسيحية.

حيث أعلن الجنرال بشكل واضح أنّه يريد إدخال تعديل جوهريّ على الدستور يقضي بإجراء الانتخابات الرئاسيّة مباشرةً من الشعب. الشعب اللبناني الذي يشكل المسيحيون فيه ثلث النسبة بينما يشكل المسلمون الثلثين بين سنةً وشيعة، وبهذه الطريقة ألا يمكننا القول بأن جنرال الرابية يكون بمثل هذه مبادرة قد خطف موقع رئاسة الجمهورية الذي هو من حق الطائفة المسيحية من المسيحيين ليقدّمه مجّاناً للطائفتين السنية والشيعية. وهو نفسه الذي كان قد طرح مشروع اللقاء الأرثوذوكسي متزرعاً يومها بحماية حقوق المسيحيين.

إنفصامٌ سياسي هذا هو التشخيص الصحيح  لحالة الجنرال المرَضية، فما عاد يختلف اثنان حول أن هاجس الرئاسة أفقد أمير الرابية صوابه فبات يلجأ إلى تمزيق الدستور وترقيعه، فقط ليحصل على ثوبٍ قانونيّ يناسب مقاسه، مضحيّاً بمصالح المسيحيين على معبد الرئاسة، مراهناً على الفتنة السنية-الشيعية طويلة الأمد، لأنه لم يحسب حساب أنه في حال اتفق المسلمون لاحقاً سنةً وشيعة في حال تم الموافقة على تعديل الدستور وانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، يمكن للمسلمين حينها انتخاب رئيس للجمهورية دون النظر أو الرجوع لرأي المسيحيين.

 

 ولكن من المؤكد أنّ مبادرة عون يستحيل أن تجد طريقها إلى التنفيذ، وهو يعلم ذلك جيداً. ولكن كلّ ما يجرّب الجنرال فعله اليوم هو اللعب في الوقت بدل الضائع، فأطلق مبادرته تلك لينتقل من عون المعطّل إلى عون المبادر، دون النظر في ردود الفعل ودون الاكتراث للعراقيل التي يمكن أن تقف في وجه هذا المشروع العوني بامتياز.

نهلا ناصر الدين