من المؤسف بل من المعيب أن تصل الخلافات في رؤية هلال شهر رمضان بين المرجعيات الدينية عامة والشيعية خاصة إلى هذا الحد ,وإن ما حصل يوم أمس وما قبله في تحديد رؤية هلال شهر رمضان المبارك يستدعي الوقوف عنده بمزيد من النظر والتأمل وطرح التساؤلات حول ما وصلت إليه المرجعيات الشيعية على وجه التحديد خصوصا في كل من قم المقدسة والنجف الأشرف حيث تعددت الأهلة عند هذه المرجعيات وقد صار لكل مرجع هلاله الخاص حتى في الدولة الواحدة والبلد الواحد والطائفة الواحدة .
فقد أعلن
مكتب المرجع الديني الراحل آية الله السيد محمد حسين فضل الله أن يوم السبت هو أول أيام شهر رمضان المبارك ، واعتبرت معظم البلدان الإسلامية ومن بينها الجمهورية الاسلامية الايرانية بناء لرأي السيد علي خامنئي أن يوم الأحد أول شهر رمضان فيما أعلن المرجع الديني الإيراني السيد موسى شبيري زنجاني، مساء السبت أن يوم الأحد هو المتمم لعدة شهر شعبان وعليه يدعو هذا المرجع الديني مقلديه  الى الصوم بنية المستحب أو القضاء لا الصوم الواجب,وأما في العراق فقد اختلف المراجع أيضا على رؤية الهلال وأعلن المرجع الأبرز السيد علي السيستاني أن يوم الاثنين أي اليوم هو أول أيام شهر رمضان المبارك , فيما أعلن  آخرون أن الاحد هو بداية الشهر الكريم .
نعلم أن لكل مرجع من المراجع مبانية الفقهية والعلمية والاصولية حول رؤية الهلال ونعرف أن هذا الموضوع من المسائل الفقهية الخلافية بين المراجع منذ سنوات طويلة ولكن ما حصل هذا العام بالتحديد يؤكد أن هذه المرجعيات ربما لم تعد هي الجهات الصالحة التي علينا أن ننتظرها لتحديد أهلة الشهور القمرية وخصوصا هلالي شهر رمضان وشهر شوال وإن اعتماد هذه المرجعيات على روايات وأحاديث حول ورؤية الهلال عمرها مئات السنين قد تكون صالحة في الزمان والمكان التي صدرت فيه .
إن الإعتماد على هذه الروايات ومع مرور كل هذا الزمن عليها ما هو إلا نوع من أنواع الاستخفاف بعقول الناس إن لم نقل حتى بدينهم وهو ما تلجأ  إليه دائما هذه المرجعيات في قضايا الهلال وربما غيره من القضايا المتصلة بشؤون الناس وأعمالهم سيما ما يشهده موسم الحج في كل عام من أخذ ورد حول التاريخ الدقيق للوقوف على جبل عرفات حيث تصر هذه المرجعيات على تضييع قدسية شعيرة من أهم شعائر الدين تحت شعار الاختلاف في المباني الفقهية .
وإن تطور العلم الحديث وخصوصا فيما يتعلق بموضوع الهلال وعلم الفلك يؤكد يوما بعد يوم صوابيته وضرورة الاعتماد عليه حيث يعتبر هو الأقدر على تحديد المواقيت المتصلة بولادة الهلال في الشهور القمرية وقد ثبتت صوابية ودقة هذا العلم في أكثر من موقع ومكان وإن تحديد أوقات الكسوف والخسوف تتطابق مع الواقع في كل مرة مئة في المئة بما لا يدعو إلى الشك أن هذا العلم هو الجهة الصالحة لتحديد أوائل الشهور القمرية ونهاياتها ورغم ذلك ما زالت هذه المرجعيات وستبقى أسيرة التاريخ والروايات التي مضى على بعضها أكثر من ألف عام ولذا فإنه من الضرورة أن نبحث عن مرجعيات جديدة تكون قادرة على مواكبة الحداثة والتطور خصوصا في الاحكام الفقهية والاستنباط وإن على المقلدين أيضا أن لا يبيعوا عقولهم مجانا لآراء ومعتقدات عفى عليها الزمان ومحى آثارها التاريخ .