بدأ “حزب الله” معركة جرود القلمون لتحريرها من مسلحي المعارضة السورية الذين ينتشرون على مساحة طويلة من الجهة السورية، عند الحدود اللبنانية السورية وعلى امتداد السلسلة الشرقية من جرود بلدة طفيل باتجاه بعلبك وامتداداً إلى عرسال.

 

رياح المعركة المنتظرة في يومها الأول لم تجر كما تشتهي سفن «حزب الله»، إذ أفيد عن أن خسائر كبيرة تكبّدها أثناء المعارك الحادة التي جرت بين مقاتليه والمعارضين السوريين، ولم يسعفه تدخّل طيران النظام لدعمه هناك.

 

ووفق معلومات لـ”المستقب” فإن “حزب الله” حرّك مجموعات قتالية نحو الداخل السوري من بلدة بريتال، كانت ترصدها قوات المعارضة، فحاصرتها في الداخل السوري ودارت اشتباكات عنيفة، لم تؤد إلى فك الحصار، وإنما زادت الخناق عليها، فاضطرت مجموعات من الحزب إلى التراجع بعد سقوط العديد من القتلى والجرحى.

 

ونفت مصادر في المعارضة السورية ما تردد عن سقوط أبو مالك التلي في قصف طيران النظام، وهو أحد القياديين العسكريين في «جبهة النصرة»، إلا أنها أعلنت سقوط قائد ما يسمى «لواء الغرباء» المدعو أبو حسن.

 

وتزامناً مع اندلاع المعارك، تابع فوج المجوقل في الجيش اللبناني، بالاشتراك مع المخابرات، دهم مخيمات النازحين السوريين في عرسال وجردها، وتسيير دوريات بحثاً عن مسلحين ومطلوبين بعمليات خطف وحمل سلاح أو الاشتباه بانتمائهم إلى منظمات إرهابية.

 

وقد تخوّف أهالي البلدة من محاولة الإيقاع بهم، عبر محاولة من «حزب الله» لاستقدام «داعش» إلى الحدود وتوريط الجيش اللبناني بمواجهة يدفع ثمنها الجيش وعرسال بأهلها ونازحيها.

 

ويشيرون إلى أن تخوّفهم مشروع، إذا تمت مراقبة الأحداث الأخيرة، حيث ان «حزب الله» المتورط في سوريا مُني بخسائر جسيمة في رنكوس، وكذلك استعادت المعارضة السورية مواقع عدة في عسال الورد وغيرها، مما أشر إلى أن مقاومة احتلال «حزب الله» لهذه المنطقة من قِبَل المعارضة، منظمة وقوية وقادرة على إلحاق الهزيمة بالأعداء، وحيث تم التثبت من أن أي بلدة قد تحتلّ في القلمون، لا يمكن البقاء فيها كجيش احتلال والتمركز في مواقع معرّضة دائماً لعمليات عسكرية ضدها، كذلك فإن هناك الكثير من الكلام عن «خونة» في صفوف جيش النظام، يوقعون عناصر «حزب الله» في كمائن مقاتلي المعارضة. ووفقاً لذلك، يرى متابعون للأوضاع هناك، أن «حزب الله» قد يلجأ للخروج من ورطته في القلمون، الى العودة لاعتماد سيناريوات سابقة، عبر تعكير الأجواء بين الجيش اللبناني وأهالي عرسال، والضغط على الجيش لزجّ قواته بما لا علاقة له به، وتوريطه في مواجهة مع مسلحي المعارضة المتواجدين على الحدود داخل الأراضي السورية، الذين يعتبر «حزب الله» انهم يشكّلون خطراً عليه، حيث صارت عمليات الكر والفر واستعادة مواقع من الحزب أمرا شبه يومي وعادي، مما يؤشر إلى أن الحفاظ على «الانتصار» في القلمون لن يكون بهذه السهولة.

 

ويلفت هؤلاء، الى أنه حالياً لا وجود لـ«داعش» على الحدود، لكن الشك قائم بوجود مجموعة صغيرة، بينهم سوريون وفلسطينيون ولبنانيون، لكنها غير مؤثرة في ما يجري على الأرض. إلا أن «حزب الله»، مع اندلاع معركة تنظيف جرد القلمون سيستدرج الوجود الداعشي، إذ ان «داعش» قادرة على التواجد هناك بسرعة، بسبب علاقتها المشبوهة بالنظام السوري، وقد تحرك مقاتليها من شمال سوريا بقوة قد تصل إلى 400 مقاتل لتنشرها على الحدود، وبذلك ينجح «حزب الله» في مخطط توريط الجيش اللبناني، وهو مخطط جهنمي لا بد من الوعي لخطورته، وعدم الانغماس في شر التركيبات المخابراتية المعروفة التي تعمل على ذلك.

 

وفي هذا المجال تلفت مصادر متابعة إلى ما يتم تسريبه في وسائل الإعلام عن سيناريوهات متوقعة لانفجار الوضع في عرسال، ترافقت مع بدء التدابير التي اتخذها الجيش في مخيمات النازحين من مداهمات وغيرها، إثر عملية الخطف الأخيرة التي جرت في رأس بعلبك واستهدفت صاحب كسارة وعمّالا تم إطلاقهم على الأثر. وتعتبر أن أي حادث أمني، من نوع استهداف دورية للجيش على الحدود، قد يدفع الجيش اللبناني إلى الرد بكامل قوته على الاعتداء، وبالتالي تجد عرسال نفسها في مواجهة مع الجيش، وهو سيناريو سبق أن اعتمد عندما تم إطلاق النار على ضابط ومجموعة للجيش منذ نحو السنتين، وبحسبهم، فإن تلافي مثل هكذا سيناريوات، هو رهن القرار السياسي في الحكومة اللبنانية التي يجب ان تعلن عدم قبولها بخوض حروب الآخرين في لبنان.

 

لقد عمل اهالي عرسال مرات ومرات من اجل تلافي الفتنة، عبر استدراج الجيش إلى مواجهات وتحميله ما لا طاقة له عليه. صحيح ان انتشار الجيش اللبناني على الحدود امر مطلوب وضروري من اجل منع اعتداءات النظام السوري والخروق التي تجري داخل الاراضي اللبنانية، لكن بعد التطورات الاخيرة اصبح من الضروري الوقوف عندها، وعدم السماح بضرب الجيش بأهله في عرسال، أو ضرب الجيش بمسلحي المعارضة، وادخاله في معارك بالوكالة عن «حزب الله».

 

وهنا يؤكد هؤلاء أن وجود مسلحين على الحدود في الجرود بعد انسحابهم من قرى القلمون، يزعج النظام السوري وحزب الله، واهالي عرسال لا مصلحة لهم في تفجير الاوضاع على الحدود، ولا في جعل العلاقة سيئة مع أهالي القرى التي يتواجد فيها «حزب الله»، ولذلك يرون في انتشار حواجز الجيش وتدابيره الامنية امراً أكثر من جيد، فالوضع صعب والخيارات لا بد ان تُدرس بعناية، ولا سيما بعد تطورات الوضع السوري والعراقي أيضاً. ويقول رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، ان الجيش اللبناني يقوم منذ ايام بمهمة واضحة، ولا احد يعترض على تحركاته من اجل حماية الامن واستقرار الاوضاع، وقد تبين ان لا شيء خطيراً في مخيمات النازحين، وبالتالي حق الجيش هو ان يتحرك في كل الاتجاهات لمنع اي مظاهر مضرة».

 

ويضيف: «ان الجيش اللبناني يثبت في كل مرة انه جيش كل اللبنانيين، ونحن معه طالما ان قراره السياسي يخضع للدولة ونظامها. الجيش جيشنا وعلاقته بأهالي عرسال جيدة، ولن يستطيع احد فك هذه اللحمة الضرورية من اجل امن عرسال وامن البلد، وعدم حصول الفتنة، خصوصا ان التطورات المحيطة صعبة، وليس على اللبنانيين تحمل اكلاف ما يجري في سوريا أو في العراق».