المتابع لمواقف المرجعية الشيعية في النجف الأشرف يقع في حيرة التقدم والتأخر , ففي العشر سنوات الماضية رصدت للمرجع السيستاني مواقف جدّ متقدمة على مستوى دفع الشارع إلى الهدوء وطمأنة شرائح الشعب أن الدولة الحديثة والعملية السياسية بعد سقوط الطاغية تراعي الشراكة الحقيقية بين مكونات الشعب العراقي وإنجاز الوحدة في مقابل كل أجواء الفتنة والتطرف , وإن كان يحسب له دعمه ودفعه العملية السياسية من خلال نصح الأحزاب الدينية منها والعلمانية بضرورة الاصرار على دولة مدنية  ديمقراطية  لا دينية ولا مذهبية يشارك فيها كل المكون العراقي باستثناء الأعوان الكبار للنظام البائد , ولكن الاحزاب العراقية الاسلامية منها والليبرالية والمكونات العراقية منذ لحظة انفلاتها من أسر الطاغية البائد كانت تعيش عقدة الإبعاد والاستئثار من الماضي فتحولت هذه العقدة الى ما يشبه استنساخ الصورة لصدام حسين في كل مسؤول أو حزب او تيار ولم تفلح اي جهة في حمل مشعل التغيير من الاستبداد الى الحرية وغرقت أكثرية الاحزاب والجماعات والافراد بفساد كبير على مستوى الادارة و الدولة .
وكان للمرجعية دورها في عدم تغطية المرتكبين والفاسدين والمفسدين وانكفأت عن استقبال اي منهم لكي لا يتمكن اي مسؤول من الاستفادة من عباءة المرجعية وكان قد سبق للمرجعية ولو بشكل ملتبس قبولها الاستعانة بالغرب على المستبد الطاغية والدعوة في آن ما لخروج المحتل .
وقبل سنة وفي خضم الازمة السورية كان للسيد المرجع السيستاني موقف جريء في مخالفة من يعبيء الشباب الشيعة العراقيين للذهاب لنصرة نظام الاسد ولو بشكل خجول .
أما اليوم فالسرعة في إصدار موقف مع تحرك الجماعات المسلحة ضد الحكومة كان لوكلاء المرجع موقف سريع وملتبس والسبب في ذلك يكمن في أن هذه الجماعات لم توجه نقمتها وحرابها على الحكومة وحسب بل توعدت وهددت كربلاء والنجف بما تحملان من عناوين بارزة لانتماء الشيعة العراقيين وغيرهم .
وبذلك يصبح المشهد مجهزا بكامل عوامل الانفجار . الشيعة ليسوا بحاجة لفتوى عندما تكون مقدساتهم محل تهديد وبذلك يصبح النفير او دعوى الجهاد من المرجع لزوم ما لا يلزم وبها تكسب المرجعية مكانتها الجامعة التي عودتنا عليها , وتبقى السلطة والحكومة بأدواتها تدافع عن نفسها وفسادها وإفسادها وهنا يسجل الإلتباس مجددا ويكون محل تأمل وياتي السؤال من أوهم المرجع بأن داعش وأخواتها أصبحت على أسوار النجف .
السلطة التي طالما حاولت أت تستر عوراتها بعباءته ولم يعطها ما تريد أم حالة القلق من ارهاب داعش هي التي سرّعت وأعطت الإذن لبعض الوكلاء الذين لا يفقهون اللغة المتوازنة التي تستجمع الحكمة .
ومن هنا رأينا مواقف مخففة لما سبق وأكثر توازنا مما سبق ونقلته المحطات العالمية والعراقية  .