تنزعج الرابية عندما يقال لها: «حزب الله» لا يدعم انتخاب «الجنرال»، فلا تعذِّبوا أنفسكم ولا تُمَنّوا النفس بالوعود»! وتردّ: «هذا الكلام جزء من الحملات علينا». لكنّ الوقائع والتوقّعات تُثبت أنّ «الحزب» ربّما يُخبّئ مرشّحاً للّحظة المناسبة، وهو ليس النائب ميشال عون.

أخيراً قالها النائب وليد جنبلاط في وضوح: «لن أنتخب عون، وأتمسّك بمرشّحي النائب هنري حلو». وهذا الكلام يقطع الشكّ باليقين. فجنبلاط لن يتخلّى عن مرشّحه ليدعم آخر - على الأقلّ في الوقت الحاضر- وهو سمَّى عون زيادةً في الإيضاح. واستنتاجاً، ولأنّ «بيضَة القبّان» لا تريده، فإنّ عون لم يعُد يستطيع المراهنة على غالبية توصِله إلى بعبدا.

فالأصوات التي يمكن عون أن يجمعَها من «8 آذار» - حتى ولو منحه رئيس مجلس النواب نبيه برّي أصواته - تقارب الخمسين، أي ما يقارب حجم الأصوات التي يستطيع الدكتور سمير جعجع تحصيلها. وهذه الأصوات تبقى دون تحقيق الغالبية المطلقة (65 صوتاً)، ولو توافر نصاب الجلسة (86 نائباً).

لذلك، تحرَّك عون نحو الرئيس سعد الحريري، حاملاً طروحات جديدة. فالتوافق مع الحريري يحلّ له كلّ أزماته. وطرَحَ النائب آلان عون على بعض رموز «المستقبل» فكرة «طبخ» الإنتخابات الرئاسية والنيابية معاً.

فتتمّ المسارعة أوّلاً إلى إقرار قانون 1960 للإنتخابات، مع بعض التعديلات في المقاعد لمصلحة المسيحيّين، ومنها مثلاً نقل المقعد الماروني من طرابلس إلى جبيل، ما يدعم كتلة عون في المجلس النيابي. ثمّ يصار إلى إجراء الإنتخابات الرئاسية وانتخاب عون. لكن الحريري ردّ بالإصرار على أنّ الإنتخابات الرئاسية هي الأولوية.

وعلى خط موازٍ، حاولَ الوزير جبران باسيل، عبر نادر الحريري، تمرير الفكرة النيابية - الرئاسية إيّاها، في موا زاة الفكرة التي طرحها عون سابقاً، أي الإمساك بالبلد وأمنِه واقتصاده (النفط) وفقاً للقاعدة الثلاثية (عون - نصرالله - الحريري). وقد جاءه الجواب بأنّ لـ»المستقبل» حلفاءَه المسيحيين، وهو يقف على رأيهم في ملف الإنتخابات الرئاسية، وعلى عون أوّلاً أن يُقنع هؤلاء بانتخابه.

وبعدما اقتنعَ عون بأنّ المفاوضات مع الحريري «طبخة بحص» إنتخابية، بدأ أخيراً يضغطٍ على «حزب الله» ليساعده في إتجاهين:

- الأوّل هو برّي الذي يعتقد عون أنّه ليس راغباً في انتخابه، أو على الأقلّ ليس متحمّساً له. ولذلك، كانت زيارة عون إلى عين التينة. وتلقّى عون نصيحة بتليين الأجواء حاليّاً مع جنبلاط لأنّه «بيضة قبّان» في الإنتخابات الرئاسية، وليس «بيضة ممودرة» كما قال عنه قبل أيام.

- الثاني هو جنبلاط. وعلى رغم «إنضباط» حملات عون على القطب الدرزي، فإنّ لا لقاء للرجلين في الأفق، علماً أنّ أوساطاً درزية كانت استهجنَت إطلاق عون «ثلاثيته» المسيحية - الشيعية - السنّية، وسألت: أين هم الدروز في هذه الثلاثية؟

وسارع جنبلاط إلى قطع الطريق على محاولات عون. وقال: «لن أدعمَه حتى ولو اتّفق مع الحريري!». وموقف جنبلاط هذا حيويّ جدّاً. فهو لا ينقذ الحريري فقط من الإحراج، بل يُنقذ خصوصاً الحلفاء الشيعة الذين يصعب عليهم البوح بحقيقة موقفهم من ترشيح عون، لئلّا يثيروا غضبَه.

واللافت أنّ عون وحلفاءَه يخوضون اليوم معارك ذات استهدافات متضاربة. فـ»الجنرال» يريد تعطيل الجلسات الإنتخابية لإنضاج ظروف انتخابه، فيما «حزب الله» لا يريد الانتخابات حاليّاً، في المطلق.

وعون يريد تعطيل الحكومة والمجلس بالمقدار الذي يظنّ أنّه سيضغط لتأمين انتخابه، لكنّ الحلفاء الشيعة لا يشاركونه الرأي. وسبق لعون أن عارض التمديد للمجلس النيابي قبل عام، لكنّ حلفاءَه تجاوزوه ومرّروا التمديد. وثمّة مَن يقرأ مؤشّرات سياسية في المواجهة التربوية الحاصلة حاليّاً بين «الحزب» وعون، من خلال الوزير الياس أبو صعب.

حتى اليوم، رافقَ عون «حزبَ الله» مراراً إلى البحر وعاد عطشاناً. والواضح أنّ عون سيبقى الرفيق الدائم لـ»الحزب»... إلى البحر!