الثقافة هي المسؤولة عن السلوك البشري , وهي المحرّك للإنسان في إنطلاقته وعدمها , فلا يوجد سلوك بشري بدون خلفية ثقافية , فإذا أردتَ أن تصحح سلوكا إنسانيا فعليك أن تصحح الثقافة التي يحملها الانسان , لأنه لا يوجد سلوك من أجل السلوك ,  "أي سلوك ذاتي " بل دائما يتحرك الانسان بدافع من ثقافة يحملها ,  هذه الثقافة هي التي تشكل له أهدافا يسعى لها , وبالتالي إن السلوك المنحرف يكون نتيجة ثقافة منحرفة , وبالتالي أيضا تكون الاهداف والنتائج منحرفة , وهكذا حال الانسان في كل عصر من العصور , وفي كل المجتمعات .

ان الارهاب والعنف السلوكيان والفكريان الذان يمارسان في بعض المجتمعات  , هما نتيجة طبيعية للثقافة الخاطئة السائدة في تلك المجتمعات , ولقد أكد علماء النفس السلوكي ارتباط الثقافة بالسلوك , من خلال ردة فعل البعض على ظاهرة معينة , فرأوا أن ردة فعل البعض تختلف عن البعض الاخر على نفس الظاهرة , وتبين ان ذلك ناتج عن نوع الثقافة التي يحملها الشخص وهي التي تحدد نوع ودرجة الانفعال .

فلذلك إن ما نراه من سلوك إرهابي عنفي عند بعض الجماعات مرتبط إرتباطا وثيقا بما يحملونه من ثقافة وفهم للاشياء , وهذه الثقافة هي الحاكمة على سلوكياتهم وتصرفاتهم , فهذه الجماعات لا يمكن ان تتخلى عن السلوك الارهابي والعنفي ما دامت تحمل ثقافة إرهاب وعنف .

تجدر الاشارة الى أن السلوك الارهابي والعنفي ليس محصورا بجماعات دينية فقط , أي لا تنحصر بمن يحمل فكرا دينيا , بل قد تتعدى السلوك الديني العنفي الى سلوك إجتماعي عنفي وسلوك فكري إرهابي  وسلوك سياسي أرهابي وسلوك إقتصادي عنفي جشع  , لان الاساس في ذلك هي منظومة ثقافية محمولة من قِبَل الذين يمارسون السلوك بهدف ما , والهدف بطبيعة الحال متشكل  بالاصل من نوع الثقافة وماهيتها .

على سبيل المثال وليس الحصر , عندما يحمل الانسان ثقافة الحق المطلق , كما عند الجماعات الاصولية ," الاصولية هنا بمعنى عام أي اصولية دينية وغيرها من الاصوليات المؤدلجة " , فبطبيعة الحال سيكون الآخر المختلف معها على باطل , فيقوم صاحب ثقافة الحق المطلق على نفي المختلف الذي يعتقده أنه باطل , فهذا النفي والنفي المضاد هو الارهاب العنفي الذي سببته ثقافة الحق المطلق .

لذا فإن العنف الديني الذي يمارس عند الجماعات الاسلامية باسم الاله , ناتج عن فهم خاطئ للدين والشريعة , والسبب في هذا الفهم هو الثقافة  الخاطئة والمنحرفة واللاإنسانية  السائدة في الاجتماع الاسلامي , يُقرأ من خلالها الاسلام , فتُنتِج هذه القراءة ديناً بشريا لا علاقة له بالله  , لأن الثقافة هي المسؤولة عن الفهم كما قلنا , فما دامت الثقافة السائدة في الاجتماع الاسلامي خالية من النزعة الانسانية , وخاطئة ومنحرفة , فلا يمكن أن ننتج غير سلوك خالٍ من النزعة الانسانية  وديناً بشريا بعيدا عن الله وتعاليمه .