أجمل ما قرأت , جملةً وردت على لسان العلامة الاصلاحي الشيخ محمد عبدو , في توصيفه للواقع العربي والاسلامي في زمانه , حيث قال : " كفانا تكسير المرايا " , وكان يقصد من ذلك , أن العقل العربي والاسلامي كان يرفض أي نقد يكشف له عيوبه , متهما الناقد بأنه متآمر على الامة , فيسعى الى إبعاد الناقد ونقده , بدل أن يسعى الى أصلاح العيب , حتى غيّب ثقافة النقد تغييبا كلياً , وبقي العيبُ واستفحل في الاجتماع العربي والاسلامي الى أن وصل الى الدرك الاسفل , تماما مثل الذي ينظر الى المرآة فيرى عيوبه , فبدل أن يسارع الى أصلاحها يعمد الى تكسير المرآة  او إبعادها كي لا يرى ما يزعجه .

ما زال الواقع العربي والاسلامي على ما هو عليه من تكسير المرايا , وإتهام ثقافة النقد بأنها ثقافة تآمرية تهدف الى ضرب المصالح العربية والاسلامية , وكلما برزت حالة إصلاحية , إنهال عليها العقل العربي والاسلامي بشتى أنواع التهم لضربها في المهد قبل أن تنضج .

فكما رُوّض العقل العربي والاسلامي من قِبَل السلطات المستبدة على رفض ثقافة النقد , وبالتالي عدم ممارستها خوفا ورعبا , ينبغي أن يُرَوّض هذا العقل على قَبول هذه الثقافة , بإنشاء ورش فكرية وثقافية , كمرحلة أولى في مسار مشروع الاصلاح الفكري الذي أصبح حاجة ماسة , لما يمثل من مسؤولية اساسية في مشاريع الاصلاح العامة على الصعد كافة , لان أي تغيير بدون هذه الثقافة لن ياتي بالبديل الاحسن والافضل , بل سوف يكون تغيير مستبدٍ بمستبدٍ آخر , تماما كما يحصل الان في حركة الانقلابات في العالم العربي , وحركة الثورات التي نشهدها اليوم .

ولأن الثقافة مسؤولة عن الفهم للاشياء المحيطة بنا , ينبغي التعويل في أي حركة تغيير وإصلاح على تغيير الثقافة السائدة من قبل والتي أنتجت سائدا ما ,وسلوكا ما , وشكلت سلطات , وأنظمة , وإستبداد , وظلم , ورجعية , والا اذا لم يتم تغييرا ثقافيا في حركة الاصلاح سوف يكون إصلاحا مشوّها , وسرعان ما ترجع الامور على ما كانت عليه .

فالاصلاح السياسي المنشود في العالم العربي والاسلامي , يحتاج الى تغيير ثقافي حتى يكون تغييرا الى الاحسن والافضل , ويكون اصلاحا حقيقيا محميّا بثقافة طموحة , لا يحتاج الى اصلاح ومن ثم اصلاح وهكذا كلما جاءت أمة لعنت أختها .