في مداخلةٍ سياسية حول مصير لبنان بعد دخوله في الفراغ، عبر قناة "سكاي نيوز"، سلّط رئيس تحرير موقع لبنان الجديد الكاتب والمحلل السياسي الاستاذ "علي سبيتي" الضوء على بعض الأمور التي أفضت إلى الشغور في مقام الرئاسة الأولى في لبنان وعلى بعض ما ينتظر كرسي الرئاسة في ظل التجاذبات الداخلية والخارجية التي تلعب دوراً أساسياً في صناعة الحدث اللبناني.

1-دخلنا مرحلة الفراغ الرئاسي في لبنان، وبطبيعة الحال هو ليس الفراغ الأول من نوعه أو ربما يأتي وسط ظروف إقليمية مختلفة هذه المرّة، كيف ستكون انعكاسات الفراغ على لبنانفي ظل هذه الظروف ؟

إن لبنان لا يمرّ بمرحلة لن يعتاد عليها من قبل، فهو اعتاد في السابق على أن يكون هذا الموقع شاغراً على مستوى الرئاسة الأولى أوعلى مستوى الرئاسة الثالثة، ففي مراحل كثيرة مرّ لبنان بالفراغ حتى في العمل الدستوري السلطات التشريعية كانت في غياب. إذاً لبنان يعيش بشكل مستمر وفق مصالح تنبع من تركيبة الوضع في لبنان وفق مشروعية داخلية أكثر مما هي مشروعية دستورية، من هنا لا شك بأن هذا له تأثيرات ولكن هذه التأثيرات لم تعطّل مجرى الأمور في لبنان إذ أن الحكومة ستقوم بمقام تصريف أعمال الرئاسة من الناحية الدستورية ومن الناحية السياسسة تأكد أن القسم المعني من اللبنانيين في موضوع الانتخابات الرئاسية والاستحقاق الرئاسي قد عطّل هذا الاستحقاق ووقف حائطاً سميكاً في وجهه من خلال خلافاتهم السياسية.

2-الحكومة قد تقوم بتسيير الأعمال في هذه الفترة ولكن هناك تخوّف اليوم على شرعيّة البرلمان والانتخابات البرلمانية المقبلة، يعني هناك حديث عن اتجاه بعض النواب المسيحيين إلى مقاطعة الجلسات التشريعية داخل مجلس النواب، في ظل هذا الفراغ الرئاسي كيف سيتم التعامل مع هذه الأمور كلّها ؟

الموضوعات الدستورية والقانونية محاطة بعناية فائقة من قبل المعايير السياسسة، فما يحكم لبنان هو المعيار السياسي وليس المعيار القانوني والدستوري، والمعيار السياسي يعني الطبقة السياسية الحاكمة والمسيطرة، هي التي تمسك زمام الأمور في لبنان وليس القانون من يمسك زمام الأمور.

3-هذا يؤكد أن التخوف من فراغ كرسي الرئاسة هو تخوف، ربما، على موقف طائفي أكثر منه موقف سياسي ؟

لا شك أنه نوع من التعطيل للشراكة السياسية لطائفة يفترض أن تكون موجودة في اعتبار أن المحاصصة السياسية في لبنان مبنية على شراكة الطوائف، والآن، هذا خلل في عمود الشراكة ولا بد أن تتم معالجة هذا الموضوع. ولكن اللبنانيين لا يستطيعوا أن يعالجوا هذا الموضوع بطريقتهم الخاصة لأنهم غير معتادين على تصريف أمورهم في هذا المجال من خلال مصالحهم المباشرة، اذ أن التعيين في الرئاسة كان يأتي من الخارج وهم غير معتادون بشكل واضح على أن يلبوا احتياجاتهم من خلال مصالحهم المباشرة. وهنا يبدو أن البعض قد قذف هذه المهمة إلى نوع من العلاقات القادمة ما بين المملكة العربية السعودية  والجمهورية الإسلامية الإيرانية وأن تكون نقطة أساسية على جدول الأعمال إذا ما تم التوافق بين المملكة والجمهورية وتم التباحث على نقاط خلافية وإمكانية التوافق على نقاط مشتركة وعلى تطلعات قد يكون لبنان من بينها. فهذه الرؤية موجودة وهناك من لعب هذا الدور، ولكن أعتقد أن الفرصة اللبنانية متاحة لإعادة استكمال شراكتهم السياسية التي انبنت على ضوء الحكومة السلامية من خلال اتفاق حزب الله وتيار المستقبل، ويمكن أن نجد في المستقبل القريب نوع من هذه المقاربة.

4-مشاورات الحريري-عون ماذا حصل بها والانباء متضاربة حول حقيقة ما تم بحثه بين الرجلين ؟

لا شك بأنه كان هناك رؤية عند سعد الحريري لأن يكون هناك نوع من التعاطي مع التيار الحر بشخص رئيسه العماد ميشال عون، وأن يؤدي هذا التعاون إلى أن يكون الجنرال هو رئيساً للجمهورية بناءً على اتفاق "حزب الله-عون-تيار المستقبل" ولكن أعتقد أن هذا يتطلب نوع من إعادة الصياغة للمواقف السياسية في لبنان مما يعني أن تيار المستقبل عليه أن يعيد تركيبته السياسية ومشاركات تحالفاته في لبنان على ضوء معايير جديدة. وحتى الآن هذه المعايير مفقودة باعتبار أن شق الخلاف بين حزب الله وتيار المستقبل من جهة هو خلاف كبير، ومن جهة أخرى إن شق الخلاف بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر هو شق كبير أيضاً، مما يدل على أن هذه الشقوق الخلافية لا يمكن أن تعمّر نوع من البناء المستقر في السياسة اللبنانية لأنها تتطلب نوع من الاستراتيجية والرؤية المتقدمة من أجل الوصول إلى حلول على مستوى موضوع الرئاسة. إضافة إلى أن هذا سيؤذي تحالفات تيار المستقبل مع المسيحيين لإن وصول عون إلى الرئاسة يعني أن الاستحقاق الرئاسي سيكون لصالح التيار الوطني الحر وهذا نوع من الإلغاء لبعض التيارات المسيحية الأخرى وهذا ما سيؤذي حلفاء تيار المستقبل.

5-بغض النظر إن أدخلت تعديلات على النظام السياسي، قانون انتخابي جديد، كما طالب سليمان أو حتى إذا تأخر التوافق السياسي الذي تتحدث عنه، ما هي حظوظ بعض الأسماء كجان قهوجي وجان عبيد ورياض سلامة لرئاسة الجمهورية كما يتم الحديث ؟

بالنسبة للمداولة القانونية في موضوع الإنتخابات، طريقة الانتخابات وانتخابات جديدة،نوع من الاستهلاك السياسي القديم في لبنان الذي لن يرشح عنه شيء باعتبار أن الصيغة الطائفية في لبنان هي التي تتحكم بطبيعة التوازنات وبالتالي بعملية الانتخابات الديمقراطية وقانون الانتخابات.

أرى أن هناك علامة مضيئة في سماء الترشيحات الجدية والتي يمكن أن تلعب دوراً توافقياً من خلال الدور المتقدم لها، أجد بأن هذه العلامة الآن تضيء حول اسم قائد الجيش "جان قهوجي" باعتباره يشكل نوع من الثقل المسيحي ومن خلال موقعه ودوره، وخاصةً أن المسيحيين يريدون شخصاً قوياً لا شخصاً ضعيفا تلعب به الأهواء السياسية. والرئاسة القوية في ظل المعادلات القائمة من قبل، إما مرشح من 8 أو14 آذار ، غير جدية ولا تتناسب مع طبيعة وتركيبة لبنان السياسية. إذاً "التوافقي" هو الأفضل، وأعتقد أن المؤسسة العسكرية التي ينتمي إليها قائد الجيش هي قوة له وهي رصيد كبير والمسيحيون دائماً كانوا يقفون خلف الجيش وقيادته، وأرى فيها نوعاً من المطمح والمأمن لهم وأعتقد أن هذا الاسم له فرصة كبيرة بأن يكون رئيسا توافقياً للبنان.