ليست ايران والسعودية ودول الخليج وحدها بدأت الاستعدادات والتعديلات في سياساتها لمواكبة التغير الكبير المقبل على المنطقة. تغيّر يتمثل في الاتفاق الأميركي – الايراني الذائع الصيت أواخر حزيران أو تموز المقبل على الملف النووي لطهران وعودتها الى حضن المجتمع الدولي، بعد طول اقامة وسط الدول المصنفة مارقة.

قوى 14 آذار أيضاً تستعد. تبني على معطيات ثابتة وأكيدة: خلافاً لأوهام حاولت جهات محلية أو اقليمية اشاعتها، لن يقوى النفوذ الايراني في لبنان والمنطقة. على النقيض يقضي الاتفاق في شق منه بعودة ايران الى داخل حدودها بعدما بلغت حدوداً مترامية وبعيدة جداً مثل جنوب لبنان، على ما ذكر في كلامه قبل أيام المستشار العسكري للامام خامنئي الفريق يحيى رحيم صفوي. أكدت ذلك الولايات المتحدة لقوى التحالف اللبناني عبر قنواتها الديبلوماسية بوضوح تام. سوف تنال ايران مكاسب اقتصادية هائلة أو تستعيدها بالأحرى، في مقابل الحل الذي ارتضت به لموضوعها النووي. حل يضمن استخدام عناصرها النووية لأغراض سلمية بشفافية، وتحت أنظار المجتمع الدولي وموافقته.
يعني الاتفاق في هذا الشق أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم في حجم التأثير والنفوذ الايرانيين في المنطقة. لن تبقى قوة تهديد للشعوب والدول العربية سواء في سوريا أو الأراضي الفلسطينية أو العراق وصولاً الى البحرين واليمن ودول الخليج الأخرى. لا مبرر مطلقاً بالتالي لخشية أو "نقزة" من هذا التطور الجذري المنتظر. لكن على كل دولة ومجموعة في المنطقة أن تكيّف سياساتها ومواقفها مع الوضع الجديد الذي يفرض نفسه بنفسه.
من الأسئلة الرئيسية التي تتبادر الى الأذهان لدى الاطلاع على السيناريو الآتي: ماذا عن الرئيس السوري بشار وهو يشارف على تجديد ولايته عملياً، رغم ارادة المجتمع الدولي ولا سيما الادارة الأميركية؟ وماذا عن سلاح "حزب الله" الذي يشكل ذراع ايران في لبنان وسوريا أيضاً؟ الجواب الذي تلقته قوى 14 آذار أن بشار الأسد لن يبقى في سوريا. هذا الأمر بات متفقاً عليه، ولكن سيُبحث في تحديد مصيره لاحقاً مع التقدم في تطبيق الاتفاق. فالعملية متدرجة وسوف تصل الى حل لسلاح "حزب الله" أيضاً.
المسألة مسألة وقت اذاً. سيكون على اللبنانيين من ضفتي الاصطفاف ( 8 و14 آذار) امراره "بالتي هي أحسن"، وفقاً للتعبير العامي. السعودية وايران ستواكبان المرحلة المقبلة في لبنان والعالمان الغربي والعربي أيضاً. وبالطبع سيعني ذلك وضع ماء في النبيذ شيئاً فشيئاً والبحث عن مناطق تلاق وحلول وسطى تنتج انتخاباً لرئيس جديد للجمهوريةُ، رئيس على صورة المرحلة الآتية ومثالها.
في الترجمة المحلية لهذه الأجواء أن بحثاً سيجري عمن تنطبق عليه هذه الصورة للالتفاف حوله والذهاب الى مجلس النواب لانتخابه، وقد لا يكون الوقت المتبقي قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار كافياً لانجاز الاتفاق على الاسم وعلى الخطوات التالية للانتخاب. لا بأس يمكن لبنان الانتظار وقتاً قصيراً بالأسابيع ما دام الأفق بات واضحاً والأرض باردة ولا تصعيد في السياسة أو شحن فوق العادة للنفوس.
بطبيعة الحال سيكون مرشح قوى 14 آذار الدكتور سمير جعجع في وضع مريح أكثر ما دام بدأ يتكيف مع الأجواء الجديدة قبل مدة، باعلانه أنه لا يتشبث بترشيحه ويقبل بغيره من التحالف. مع فارق أن حتى انسحابه من حلبة الترشح - اذا قرر لاحقاً الانسحاب - لن يكون قراره وحده، بل يعود الى قوى 14 آذار مجتمعة بعدما بادلته أداءه المميز – والذي جعله ضمير الحركة السيادية - بالوقوف وراءه في شكل تام ونهائي لا شبهة فيه على الاطلاق. يؤدي ذلك الى أن الدكتور جعجع، بقراره وقرار 14 آذار، يستحيل أن ينسحب لمرشح آخر قبل أن يكون النائب الجنرال ميشال عون قد أعلن أنه غير معني بالترشح لرئاسة الجمهورية.