وسط الإنقسام السياسي والديني وارتفاع وتيرة اللغة المذهبية البغيضة ... وسط  الصراع الدموي الذي تعددت عناوينه في البلاد العربية ... من عمق أوجاع وآلام الشعوب التي هجرت في أوطانها تارة ومنها تارة أخرى ... في ظل استشراء منطق الشحناء والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة وفي الوقت الذي تبتعد الأمة فيه عن تعاليم الرسالات الدينية والقيم الإنسانية الداعية الى الوحدة والمحبة والحوار والرجوع الى لغة العقل ونور العلم ... في هذا الوقت الحرج الذي تخلى فيه الكثيرون من أهل الحل والعقد عن مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه هذا الواقع المرير يطل وكعادته سماحة العلامة السيد علي الأمين مرة جديدة بفكره الوحدوي المتنور ليجدد من على منبر الحوار بين الحضارات والثقافات دعوته للتمسك بالمشتركات الدينية والإنسانية التي تؤسس لبناء أفضل العلاقات بين الأفراد والشعوب والجماعات والتي توصلنا من خلال الحوار إلى التفاهم الذي يجنب المجتمعات في العالم آفة النزاعات والحروب والصراعات ..

العلامة الأمين يرفض بقوة تفسير الحروب والصراعات على أنها نتيجة حتمية لتصادم الحضارات ووقوع الخلافات بين معتنقي الأديان لأن الأديان في جوهرها واحدة وهي التي تساهم في ترشيد الإنسان والوصول به الى مجموعة القيم الإنسانية التي تلغي الفوارق بين الأمم والشعوب وتجعلنا ننظر الى الإنسان وحقوقه نظرة موحدة ويرى سماحته أن الرسالات السماوية في أصل وجودها هادفة لإطفاء نار الخلافات التي حدثت في حياة المجتمع البشري وناظرة لهدايته الى سواء السبيل .

إن المخاطر التي تعيشها الأمة اليوم من وجهة نظر العلامة الأمين ليس لها من علاج إلا بإطلاق الحوار الديني والثقافي ومن خلال تعميق هذا الحوار الجاد يمكن أن نصل إلى رؤية مشتركة تساهم في حل النزاعات والصراعات خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي بلغ فيها الشحن الطائفي والمذهبي خطراً يهدد نسيج الوحدة والتعددية في مجتمعاتنا وبات يشكل مناخاً ملائماً لانتشار ثقافة العداء والكراهية وهو سلوك يهدد أيضاً العلاقات مع شعوب ودول العالم .

ولأجل مواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة والتي باتت تهدد الإستقرار في بلادنا وتهدد العلاقات مع الشعوب الأخرى جدد العلامة الأمين دعوته ولاة الأمر والحكام والمرجعيات الدينية في الدول العربية والإسلامية لمواجهة ثقافة التطرف بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنة التي تقوم على أساس العدل والمساواة بين المواطنين من غير تمييز أو تصنيف ودعا لتأسيس  المعاهد الدينية المشتركة وتأليف كتاب ديني واحد يتم التركيز فيه على المشترك في الدين والإنسانية ليعتمد هذا الكتاب في المناهج المدرسية ويؤسس لبناء أجيالنا على ثقافة الوحدة وفهم الآخر وإزالة الهواجس الوليدة من التعصب  وقال : كيف نقسم أبنائنا صغاراً ونطلب منهم الوحدة كباراً ؟ ! ودعا سماحته لدعم الخطاب الديني المعتدل واعتماد الوسائل الإعلامية التي تنشر فكر الوسطية والإعتدل .

هذه المواقف والإقتراحات التي أطلقها صاحب السماحة في مؤتمر حوار الحضارات والثقافات الذي انعقد في مملكة البحرين في الأيام المنصرمة من هذا الإسبوع حظيت باهتمام المشاركين من رجال دين ومثقفين ورسميين شاركوا في هذا المؤتمر كممثليين لبلدانهم وطوائفهم . وقد لفت انتباهي وأنا أتصفح الصحف العربية حجم الإهتمام والتركيز على ما قدمه العلامة الأمين من اقتراحات رشيدة للخروج من معاناتنا المؤلمة . وفي الخاتمة كم أتمنى لو رجعنا جميعاً على اختلاف انتماءاتنا القومية والدينية والسياسية لتلك التعاليم لنأخذ بالحكمة بغض النظر عن موقفنا من صاحبها .

ــــــــــــــــــ

بقلم : الشيخ حسين عليان