في ظلّ فقدان النصاب المتكرر لجلسات إنتخاب رئيس الجمهورية، التي يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يعتقد الكثيرون أن كل أفرقاء قوى الثامن من آذار مجمعة على دعم ترشيح رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون "المقنّع" إلى رئاسة الجمهورية حتى النهاية، وبالتالي لا إمكانية لتراجعها عن ذلك، حتى لو إستمر الفراغ أشهراً طويلة، لكن في حقيقة الأمر الوضع مختلف كلياً، فهناك داخل هذه القوى من يرى منذ الآن أن من الضروري البحث عن مخرج من الواقع المقبلة عليه البلاد بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر نيابية من هذه القوى أن دعم ترشيح عون من قبل جميع الأفرقاء ثابت لديها، وهي تفضل أن يكون هو الرئيس المقبل بلا أدنى شك، ولكن في ظل الإنقسام القائم في المجلس النيابي لا يمكن تأمين عدد الأصوات اللازم لذلك، وبالتالي لا يستطيع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" الوصول إلى سدة الرئاسة من دون التوافق مع قوى الرابع عشر من آذار، وهذا الأمر غير وارد من حيث المبدأ رغم الأجواء الإيجابية التي يشيعها عن الحوار مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لأن هناك ما يجبر الأخير على التضحية بفريقه السياسي في هذا الوقت من أجل العودة إلى السراي الحكومي بالحد الأقصى.
وأمام هذا الواقع، تشير المصادر، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن أفرقاء قوى الثامن من آذار منقسمون بين من يرى أن من الواجب الإستمرار بدعم "الجنرال" حتى النهاية مهما كان الثمن، وبالتالي طراح معادلة: "عون أو الفراغ"، ومن يعتبر أن الواقعية تفرض البحث عن حلول أخرى مع الفريق الآخر بدل الإستمرار في التصلب بالموقف الذي لن يؤدي إلى أي نتيجة، ويؤكد أصحاب النظرية الثانية أن هذا لا يعني القبول بأي رئيس لا يحظى بموافقة عون، ويعتبرون أن هناك مخاطر جمة قد تنتج عن الدخول في مرحلة الفراغ، خصوصاً أن لبنان والمنطقة مقبلان على إستحقاقات مهمة ينبغي التعاطي معها بكل مسؤولية.

وتوضح المصادر نفسها أنّ أصحاب النظرية الأولى يعتبرون أن وصول أي رئيس لا يتمتع بمواصفات عون يعني إستمرار الواقع السابق، وبالتالي يكون الفراغ أفضل من رئيس قد يطعن فريقهم السياسي في الظهر بأي لحظة، ويرون أن لدى تيار "المستقبل" مصلحة بهذا الأمر لأنه سيفتح الباب على تسويات أكبر تسمح بعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، في حين هو لن يكون قادراً على تحقيق هذا الأمر في حال عرقل وصول رئيس أكبر تكتل مسيحي إلى الرئاسة الأولى، بالإضافة إلى أن القوى الإقليمية والدولية التي تدعم قوى الرابع عشر من آذار هي من لها المصلحة بعدم الوصول إلى الفراغ.
وتكشف المصادر أن إستمرار قوى الرابع عشر من آذار بتبني ترشيح رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، يضعف أصحاب نظرية التسوية في الفريق المقابل، لأن هذا الترشيح يعني عدم الرغبة بالحوار من أجل الوصول إلى حل، في حين أن عون لم يعلن ترشحه حتى الآن لأنه يدرك أن لا فائدة منه في حال لم يتأمّن التوافق عليه.
من جانبها، تشير مصادر نيابية في تكتل "التغيير والإصلاح" أن لديها ثقة كاملة بحلفائها، لا سيما بالنسبة إلى موقف قيادة "حزب الله"، لكنها لا تخفي أن بعض أفرقاء قوى الثامن من آذار لا يفضلون وصول رئيس التكتل إلى رئاسة الجمهورية، خصوصاً من يعتبرون أن ذلك يتعارض مع مصالحهم، وهم يفضّلون وصول رئيس توافقي لا يستطيع أن يكون صاحب كلمة قوية.
إذاً لم تتغير المعطيات من اليوم الأول حتى اليوم، ولا يزال غالبية الأفرقاء ينتظرون "الأعجوبة" التي تؤدي إلى إنتخاب رئيس الجمهورية، ولكن هل بات موعد الدخول في لعبة التسويات قريباً؟