حريّة الصحافة حقّ مقدّس، وكمّ الأفواه أمر مرفوض، والإعتداء على حريّة التعبير ذنبٌ لا يُغتفر في بلد الحريّات...وغيرها من البديهيات التي لا يقبل الإعلام اللبناني أن يضعها في دائرة النقاش حتى.

أمّا "أنا متضامن مع الجديد والأخبار، وأنا قلم ابراهيم الأمين وكرمى خيّاط، وتحقير الصحافة باسم العدالة..و...و...وغيرها من الشعارات الرنّانة التي يتراقص على أوتارها إعلام الممانعة"، فهذا ما غزا الجوّ اللبناني بشراسة في الأيام القليلة التي مضت، وعن سبق إصرارٍ وترصّد تمنّعت عن إعطاء رأيي في هذه القضيّة ونأيت بنفسي عن حفلات الرقص التي تعمّدت "الجديد والأخبار" إثارتهما، وتركتُ الحفلة حتى تهدأ قليلاً قبل أن أنزل إلى حلبة الرقص، فأنا لا أحبّ الموسيقا الصاخبة.

فكلّ صحاف هاوٍ، محترف، أو مبتدئ يعزّ عليه أن تستدعي المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان صحافياً آخر للمثول أمامها بتهمة "تحقير المحكمة"، كما عزّ عليّ وللوهلة الأولى هذا الموضوع، وكنت للحظة سأجد نفسي واقفةً في صفوف المتضامنين، على الرغم من تعارض آرائي الحادّ مع كلتا الوسيلتين الإعلاميتين "الجديد والأخبار".

ولكن عدت فجأةً إلى الواقع وأخذت نفسي بعيداً عن ذلك الاصطفاف المتكاذب، فأنا نعم مع "حريّة الصحافة" ولكن لست مع حريّة "الجديد والأخبار"، فحريّة الجديد والأخبار لم تحترم حريّة دماء الشهداء، وراحت تنبش في قبورهم وتعبث في سير تحقيقات محكمةٍ، أنشئت لتحقيق العدالة، بقصد تضليل وتعليب الرأي العام باتجاه معيّن لا يخدم إلا أعداء المحكمة وأعداء الشهيد رفيق الحريري.

فللحرية مفاهيم عديدة ومطّاطة, تختلف بحسب زاوية النظر التي ننظر منها لهذا المصطلح، إلأ أن المتفق عليه هو أن "حرّيتك تنتهي عند الإعتداء على حرية الأخرين"، وحرّية الجديد والأخبار انتهت عند الإعتداء  على حرية  الشهداء. وإن كنت لا أفهم  حتى الآن هذا الهجوم الذي لم يتوقف على المحكمة الدولية من إعلام الممانعة وهي التي حصلت على التمويل في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أي حكومة الممانعة مئة بالمئة.

عزيزي ابراهيم الأمين، عزيزتي كرمى خياط، أنا لست متضامنةً معكم، وأقولها بالفم الملآن. وحريتي لا تسمح لي أن أتضامن مع وقاحتكما العابثة بدماء الشهداء وسير العدالة، وقلمي الحرّ لا يقبل الاصطفاف إلى جانب أقلامكم المأجورة ومؤسساتكم التي باتت مُستهلكة حدّ الاستنزاف من أنظمةٍ قمعية جعلت منكم أبواقاً لتشويه الحقائق وتضليلها، وحفلات الرقص هذه لن تغيّر واقع الحال، فهناك فرقٌ شاسع بين الحرية والوقاحة.