وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم , واللطف بهم , ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم , فانهم صنفان : إما أخ لك في الدين , وإما نظير لك في الخلق .

لم يكن همّ الامام علي "عليه السلام" عندما ولىّ مالك الاشتر على مصر سوى رضى الرعية , وصلاح أمورهم لان الرعية برأي الامام "عليه السلام "هم عماد الدين وجماع المسلمين , والعدة للأعداء , فلذلك أمر الوالى أي رأس السلطة بان يكون صَاغيا للرعية ومستمعا  لها وميالا لها , مهما كان انتماؤها الديني او السياسي , لانهم صنفان لا ثالث لهما , اما ان يدين لك بحق الاخوة الدينية , واما ان يدين لك بحق الانسانية , وكلا الصنفين يشتركان بحق الانسانية .

وأمره بان يعطي الرعية العفو والصفح , وحذره بان ينصّب نفسه حربا لله , حيث قال : ولا تنصبّن نفسك لحرب الله , و(المقصود حرب السلطة للناس) وبهذا يساوي بين الله وبين الرعية حيث اعتبر ان حرب الرعية هي حرب لله . بصلاح الوالي تصلح الرعية , وبصلاح الرعية يصلح الوالي .

 

فلو كان الامام علي عليه السلام موجودا اليوم في زمن الثورات العربية , ماذا سيكون موقفه ؟

 

"...فلا تكلموني بما تُكلّم به الجبابرة , ولا تتحفظوا مني بما يُتحفظ  به عند أهل البادرة , ولا تخالطوني بالمصانعة ", هكذا خاطب الامام علي عليه السلام أصحابه في صفين , رافضا اسلوب مخاطبته من البعض بطريقة التزلف والتصنّع , وينهاهم عن مخاطبتهم له بألقاب العظمة , كما يُلقبون الزعماء الجبابرة , وينهاهم عن التحفظ منه بالتزام الذلة والموافقة على الراي صوابا كان أو خطأ , كما يُفعل مع أهل الغضب والشدة من الزعماء والمتسلطين على رقاب الناس , في كل زمان ومكان , وينهاهم عن مداراته على حساب الحق , لان هذا الاسلوب من المدارات يضيّع الحقوق والواجبات ,كما هو اسلوب المتملقين والوصوليين بين يدي السلطة المستبدة الظالمة " ولا تظنوا بي استثقالا في حقّ قيل لي , ولا التماس إعظام لنفسي " .وتأكيدا لكلامه , عليه السلام ,قال لا تشكوا ولا تظنوا أنني لا أقبل ان يقال لي الحق وان يعرض علي العدل , فيريد بذلك من الناس , كل الناس ان يعرفوا بأنه يستمع للحقّ ولو كان  قاسيا  عليه , وأنه يقبل العدل مهما كلّفه , وهو القائل " ما ترك لي الحق من صديق "وبالتالي على الناس ان تقول الحقّ بلا خوف أو تردد , وخاصة اذا كان الهدف هو إثبات حقّ من الحقوق , و إقامة عدل ورفع مظلومية , أيّا يكن الشخص المخاطب , فينبغي على الناس ان تقبل العدل بقبول حسن حتى لو كان عليهم , والا لو لم يتربوا على هذه الروحية  , فسوف يكون العمل بالحق والعدل أصعب عليهم من استماعهما ,فقال عليه السلام :" فإنه من استثقل الحق ان يقال له , أو العدل أن يُعرض عليه , كان العمل بهما أثقل عليه , فلا تكفّوا عن مقالة بحق , أو مشورة بعدل ."

ومن أجل إثبات مقولته هذه , قال عليه السلام :" فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ , ولا آمن ذلك من فعلي " حتى أنا الخليفة ورأس السلطة لستُ فوق الخطأ ولستُ فوق النقد , ولا أبرئ نفسي اذ قال : " إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منّي ." وقد ساوى بينه وبين الناس في العبودية لله , كأنه يقول : ينبغي ان يكون الخلق جميعا امام الله عبيدا مملوكون لربّ الارباب , لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا , الا ما شاء الله , لان الله هو الذي يملك من الناس ما لا يملكون لأنفسهم , وهو الهادي للناس الى ما هو صلاح لهم , وهو الرازق لهم كل شيئ وبيده كل شيئ .فقال عليه السلام :" فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لربّ لا ربّ غيرُهُ , يملك منا ما لا نملك من أنفسنا , وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه , فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى , وأعطانا البصيرة بعد العمى ."

بعد هذا السرد الوجيز من السيرة السياسية للامام علي عليه السلام , نترك القارئ ليحدد موقف الامام عليه السلام من الثورات العربية , وموقفه من مطالب الرعية في ظل هذه الانظمة.