ما كان واقعاً غير مجدية القراءة سوى في تفاصيله وتطوراته، انقلب بسحر ساحر رأساً على عقب. بضعة أيام كانت كفيلة بتغيير المشهد اللبناني وقلبه ١٨٠ درجه، على مستويات عدة في السياسة والإقتصاد والأمن والإدارة. بشيء من الذهول كان كل ذلك يجري، ولا أحد يعي كيف؟ ولماذا؟. بدأ الإنعكاس، في موافقة جميع الأطراف على المشاركة بحكومة واحدة، اتفق على البيان الوزاري، من خارج معادلات طرفي النزاع، حصلت الحكومة على الثقة، على الضفة الأخرى كانت لقاءات سياسية بين الخصوم تعقد في السر والعلن، واللبنانيون مذهولون. الهدوء السياسي او التفاهم بعض الشيء، انسحب على المجالات الإقتصادية والإجتماعية والإدارية، تم تثبيت المياومين، البحث بسلسلة الرتب والرواتب جدي وقد تقر الأسبوع المقبل، التعيينات التي حصلت في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، والتي كانت هادئة جدا، وأطلق عليها أحد الوزراء أنها الأفضل منذ عقود. السؤال الأساس هو ما سرّ هذا التغيّر والهدوء السياسي. ما لا شك فيه أن ما يجري إقليميا ودوليا هو الذي يحكم مسار الأمور في الشرق الأوسط ولبنان، ومنذ أن بدأت الإتصالات الايرانية الأميركية بدأت السياسة تتخذ منحى مغايرا لما كانت عليه. ايران التي تختنق إقتصاديا، تتوق الى اتفاق مع واشنطن، التي أيضا تعاني من أزمات إقتصادية، وتتجنب الدخول في أي حرب عسكرية أو باردة، من هذا الإلتقاء بدأ تحول المسارات. الولايات المتحدة تعمل على أكثر من جبهة، تريد الإتصال والاتفاق مع طهران، وتريد المحافظة على تحالفها مع دول الخليج وطمأنتها، وهي تريد المحافظة على الخليج حرصا على مصالحها العسكرية والنفطية، وما يضمن ذلك هو استقرار الخليج، وأيضا تريد فتح علاقات مع ايران وتعزيزها كخطوة استباقية بمحاصرة الصين. انطلاقا من هذا الحرص الأميركي كانت زيارة الرئيس أوباما الى المملكة العربية السعودية، حيث أكد ثبات بلاده على تحالفها مع الخليج على الرغم من فتح علاقات مع إيران، وأكد أوباما للسعوديين أنه سيطلعهم على أي اتفاق تنوي واشنطن توقيعه مع طهران. ايران تريد توقيع اتفاق مع الدولة العظمة، فيتحسن إقتصادها، ويتعزز موقعها، وفي سبيل ذلك، تقدم طهران أوراق اعتمادها براغماتيا، وتتخذ خطوات تعبر عن حسن النوايا، التي كان أبرزها تسهيل تشكيل الحكومة في لبنان وما تبعها من خطط أمنية كان أبرزها التخلي عن آل عيد. هذه المتغيرات قد تكون مقدمات لأخرى، في ظلها تبقى دول الإقليم تبحث عن مصالحها ربما بنمط مختلف عن سابقاته بحال لم يستجد طارئ.