رسالة بمثابة صاعقة، وجهها السيد حسن نصرالله الى العدو الإسرائيلي مطمئنا إياه، بأن جبهة الجنوب لن تفتح، فبحسب التسريبات التي نشرتها صحيفة الشرق الوسط تكشف احدى الوثائق قول نصرالله لالكسندر بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي،يمكن لاسرائيل ان تطمئن فجبهتها الشمالية مع لبنان ستنعم بالهدوء، الأصدقاء في سوريا هم الذين يحتاجون السلاح الآن، وتستطيعون أن تنقلوا للإسرائيليين أن أهدأ مكان في الدنيا هو على الحدود اللبنانية الجنوبية، لأن كل اهتمامنا منصب على ما يجري في سوريا. حين تسمع هكذا كلام، يستحيل عليك تصديقه، فهو أقرب الى خيال أكثر من مبالغ فيه، وما يقصد به ليس سوى تشويه صورة الحزب، باتهامات مفبركة، ولكن في مراقبة بسيطة لمجريات الأمور، وللمسار الذي ينتهجه حزب الله، يبدأ الشك يضعضع ما هو من المفترض أن يكون اليقين. بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، في تونس ومصر وليبيا، خرج السيد حسن نصرالله مهللا للحراك العربي، ومعتبرا أنه امتداد لحركته التحررية، ولكن حينما لفحت نسائم الربيع العربي دمشق، وعبق ياسمينها بهتافات مطالبة بالحرية، تجاهل الحزب كل مجريات الأمور وكانت كلمة نصرالله الشهيرة "ما في شي بحمص"، بعد التطور الدراماتيكي الذي شهدته الساحة السورية، وإحراز قوات المعارضة والجيش الحر تقدما بارزا في مختلف المحافظات، بدأ حزب الله التدخل العسكري الى جانب نظام الأسد في مواجهة الشعب السوري، هنا بدأ التلهي عن الجبهة الأساسية في الجنوب، وبدأت البندقية مراحل الإستدارة، دخل الحزب الى حمص ودمشق، وراح يستبيح دم الشعب السوري، ويبيح دم شبابه المقاومين في وجه العدو الإسرائيلي ليهدر دمهم على أرض سورية. قبل الربيع العربي والدخول الى سورية، وافق الحزب على القرار ١٧٠١، والذي عمليا هو قرار أعلن فيه حزب الله على حراسة الحدود مع فلسطين المحتلة، وضمان سلامة هذه الجبهة، وتفرغ فيما بعد لإشعال الجبهة الداخلية مع شركائه في الوطن، فأعلن الإنتصار وخون أخصامه في السياسة، جبهة سياسية، ما لبثت أن تطورت وتحولت الى جبهة عسكرية، فاجتاح حزب الله بيروت بقوة سلاحه في ٧ أيار ٢٠٠٨، ليفرض واقع سياسيا يناسبه، ذهب الجميع الى الدوحة، فحقق الحزب انتصارا في السياسة. وهكذا لأن أي حزب كحزب الله يحتاج دوما الى عدو وجبهة وحرب، ليضمن استمراريته، انتقل من الجنوب الى بيروت، ومن بيروت الى سورية، وهذه المرة بحجة حماية المراقد المقدسة تارة، ومحاربة التكفيريين طورا، ودفاع عن الوجود تارة أخرى. حروب يخوضها الحزب في سورية، والجبهة الجنوبية مع قوات الإحتلال دخلت في غياهب حسابات قادة المقاومة، وما يزيد من الطين الذي يحصار الحزب بلة، هو تطورات سياسية بين ايران والشيطان الأكبر والدخول بحوار مع واشنطن والدول الكبرى، وهذا ما يحتم تهدئة جبهة الجنوب، وهذا ما يضاف الى عدم رد حزب الله على الغارات التي شنها العدو الاسرائيلي على معسكر جنتا في جرود النبي شيت في البقاع، لا بل تأخر الحزب في اصدار بيان متردد حول الموضوع، بعد ثلاثة أيام. هذه القراءات كلها تصب في تأكيد ما نقله السيد نصرالله عبر بوغدانوف، وما يسهم في تعزيز التهدئة، هو نتيجة الحرب التي يخوضها حزب الله في سورية والتي تنحو منحى تقسيميا على أساس مذهبي، وهي تؤدي بذلك الى تطبيق النظرية الإسرائيلية الراديكالية في وجوب تقسيم المنطقة الى دويلات مذهبية على شاكلة الدولة اليهودية التي تطمح لها، وذلك ما يطمئنها في معرض تبرير وجودها. حزب الله أدار ظهره الى العدو الاسرائيلي، وبرسالته عبر بوغدانوف، ذهب أكثر من ذلك، فكما أفقه الاقتداء بثقافة البعث السوري في ما يتعلق بالتميك بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، ها هو يطمئن العدو الإسرائيلي بأن لا إشعال لجبهة الجنوب، لأن معركة إبقاء بشار الأسد في موقعه هي أم المعارك، وذلك استلهاما أيضا من نظرية بعث الأسد، بأن بقاءه هو الكفيل الوحيد بحفظ أمن واستقرار اسرائيل، وكل ما يجري في العلن الظاهر ليس إلا ذرا للرماد فب العيون.