لا شك أن مفاعيل سقوط يبرود بالشكل الذي سقطت فيه بيد حزب الله والنظام السوري، تكرس تقويض العرب والسيطرة على مقدراتهم وثرواتهم وتجديد التأكيد على السيطرة على قراراتهم، الى جانب احتلال اراضيهم، وهم غارقون في ثبات عميق أو يتلهون في صراعاتهم الداخلية ومناحراتهم فيما بينهم، غير عالمين بأنهم لا يخسرون إلا أنفسهم. المقدرات والثروات يسيطر عليها الغرب والولايات المتحدة، كذلك هو حال القرارات الاستراتيجية العربية ان صحت تسميتها هكذا، أما الأراضي العربية، فقد سقطت في قبضات الإحتلالات. بعد التخلي عن فلسطين، وتركها لقمة سائغة بين أنياب الاستيطان، ها هم العرب أيضا جراء افتقادهم لسياسة عربية موحدة ورؤية استراتيجية تحميهم، يسهمون في تكريس الاحتلال الايراني لسورية ولبنان بعد العراق. سقطت يبرود بسبب الصراع العربي العربي، والتناحر بين فصائل المعارضة والجيش الحر، والكتائب الإسلامية، وجبهة النصرة، فكل فصيل مسلح يتبع لجهة عربية تصارع جهة عربية أخرى، دون أدنى اهتمام ليس فقط بسورية وشعبها ووحدتها، لا بل غير آبهين بامتداد الخسارة من يبرود الى أعماق ديارهم. في اطار الصراع السعودي القطري، وبعد قضية سحب السفراء، ترجم الصراع في يبرود، فانسحبت كتائب، وتخلت عن مواقع استراتيجية، ما سهل دخول حزب الله وكتائب الاسد الى المدينة. ودائما ضمن الجغرافيا السورية، وفي اطار أوسع من يبرود، لطالما تعهدت الدول العربية بتوفير المال والسلاح للثوار، وهذا الدعم لم يصل إليهم، فإما لم يرسل وتم النكث في العهود والتخلي عن الوعود، وإما أرسل وسرق ممن وضعتهم الدول العربية رعاة على الثوار، أيا كانت الأسباب فالنتيجة واحدة خسارة العرب، وانحسارهم تتجسد وتتوسع إنطلاقا من يبرود. في ظل هذا التخبط العربي، استمرت ايران طيلة ثلاثين سنة توفر الدعم لجيوبها وأذرعها في المنطقة العربية من المحيط الى الخليج، ضمن استراتيجية السيطرة على القرار العربي، لتكون دولة مقررة في الشرق الأوسط وقوة إقليمية، في ظل غياب عربي تام. لم يخسر العرب لبنان وسورية والعراق وفلسطين فقط، بل السودان انقسم، ولإيران سياساتها هناك، كذلك اليمن عبر الحوثيين، عن مصر حدث ولا حرج، ليبيا وتونس والجزائر، لا دولة تنعم بالاستقرار. لطالما تركز اهتمام الأنظمة العربية على الاتكال على الولايات المتحدة ل"حمايتهم" إلا أن الأخيرة لا تهتم لغير مصالحها، ولا تتعاطى إلا مع الأقوى، وفق ما تفرضه البراغماتية في التعاطي مع القوي الذي يفرض أمره الواقع، وهذا ما حصلت عليه ايران، من خلال توحد سياساتها، فكانت المفاوضات النووية بينها وبين الدول الكبرى، وامتدت لتصبح حوارا ونقاشات بينها وبين الولايات المتحدة، بينما العرب نيام. اهتمام أميركا لاستقرار الدول العربية الغنية، ليس ناجم إلا لتأمين مخزوناتها النفطية، واليوم أصبحت أميركا المصدر الأول للنفط، وهي تستعد لاستخراجه من الصخر، وبعد فترة لن تعود بحاجة الى النفط العربي. ولا بد من الإشارة الى أن أي دولة تستطيع أن تمتلك مقدرات مالية عالية جدا، لكن سوء إدارتها لها، ليس إلا مساهما في خسارتها وهزيمتها، وإلهائها عن حماية نفسها، وبيئتها الداخلية. فهل بعد النكسات التي تعرض لها الدول العربية، ستستفيق من كبوتها لإعادة تحصين ذاتها؟ وهذا لن يتم إلا بوضع استراتيجية عربية موحدة من المحيط الى الخليج، تتقدم بها الدول المقتدرة، وتتمثل، بإقامة مشاريع إنمائية، واستثمارات في الدول العربية توفر فرص عمل، وتدعم الاقتصاد العربي، وتسهم في ارتفاع نموه، وذلك ينسحب على الواقع الاجتماعي العربي، الذي بدوره، يعزز اللحمة العربية والولاء العروبي، على قاعدة الإنماء يولد الإنتماء، بالإضافة الى انشاء مراكز دراسات وأبحاث، لوضع خطط للسياسات العربية، ليبقى العرب أسياد أنفسهم ويستطيعون الدفاع عن أراضيهم ومصالحهم.