ببضع كلمات اختصر أحد فعاليات عرسال واقع البلدة، قال لي عند سؤاله عن احوالها، كما يقول المثل اللبناني الشائع ( كب التراب على الأرض ما بيوصل قد ما في ناس)، عرسال التي كانت تضم قرابة الخمسة والأربعين ألف نسمة، ضاقت اليوم بأعداد البشر، فعدد اللاجئين السوريين فيها وصل الى حد التسعين ألف لاجئ، يفترشون الطرقات يقيمون المخيمات، ويتآوون في المباني المهجورة، وبعض الميسورين منهم يستأجر منازل. البلدة أصبحت تفتقر لمقومات الحياة، لجهة الغذاء، والطبابة، والسكن، وواقع اجتماعي مزر جدا، فيما أجهزة الدولة اللبنانية والجهات المعنية، لا تكلف نفسها حتى النظر في احتياجات هذه البلدة، بل تتركها وحيدة تواجه منازعتها. مع بدء الثورة السورية، واحتدام الصراع بين النظام السورية وفصائل المعارضة، شكلت عرسال حاضنة للاجئين السوريين الهاربين من بطش النظام وقمعه، فصوبت السهام باتجاهها منذ أكثر من سنتين، وبدأ مسؤولون لبنانيون يوالون نظام الأسد يتهمونها بإيواء القاعدة، ليتبين فيما بعد انها لا تأوي قاعدة وهذا ما أكده مجلس الامن المركزي الذي انعقد في بعبدا بعد اتهام البلدة. لا شك ان موقع عرسال، مهم استراتيجيا، وهو الذي يتطلب ممن يضمرون الشر لها أن تكون هدفا لهم ومرمى لسهامهم، لذلك، كانت الاتهامات دوما توجه صوبها، في كل خلل أمني يحدث على الساحة اللبنانية، وهذا ما أكد أن الشر قادم الى البلدة لا محالة. بعد حرب القصير، ومع انطلاق حرب القلمون، اتضح السبب الجلي لمهاجمة عرسال، وسوق الاتهامات بحقها وبحق أبنائها، وهذا كله كان مبررا بالنسبة لنظام الأسد، لأن الحرب التي يخوضها قذرة جدا، وتعتبر جريمة قومية توازي جرائمه في ذبحه لشعبه الثار مطالبا بالحرية. من خلال حربي القلمون والقصير، يريد النظام السوري تأمين الخط الرابط بين دمشق والساحل عبر حمص، أولا لتأمين وصول إمداداته بالسلاح والمال، وثانيا لرسم حدود دولته الطامح لبنائها مستقبليا، كونه العالم علم اليقين أنه لن يبقى على عرش سورية موحدة. المناطق التي يطمح النظام للسيطرة عليها تمتد من دمشق، الأوتستراد الدولي الذي يربط دمشق بحمص، ومن حمص باتجاه طرطوس واللاذقية، وهذا الاوتوستراد الدولي يمر في قرى القلمون، لذلك كانت الحرب الشرسة على القلمون، لأنها الطريق الى دولة "علويستان الأسد"، ولأنه في ضوء هذه الحسابات لا بد من التطرق بالحديث الى اللامنطق الطوائفي لا بد من الإشارة، الى أنه في ضوء طموح الأسد هذا، وبعد سيطرته على القصير وحمص، والقلمون، التي يبقى منها بعض المناطق لم يسيطر عليها حتى الآن وهي فليطا، والمعرة، ورنكوس، والزبداني، وهي بالتأكيد ستشهد في المقبل من الأيام حربا طاحنا سيشنها النظام بقواته الجرارة بقيادة ميلشيا حزب الله، وذلك على طريق تحقيق حلم الأسد في بناء دولة علوية بعد فقدانه السيطرة على سورية وحكمها. وفي ظل هدف الأسد هذا، من غير الممكن أن تبقى عرسال هي المنطقة الشاذة الوحيدة القريبة من الحدود السورية، وجارة فليطا ويبرود في القلمون، أن تبقى سالمة وتترك بحالها، والمؤشرات التي تتبين من الاتهامات التي ما زالت تساق بحق عرسال، تشير الى أن ما يخطط لهذه البلدة، شبيه بما جرى في قرى القلمون، ولكن لأسباب مذهبية تقسيمية بعكس ما يشيع المتربصون بها شرا، أن حربهم وقائية.