لا تخف يا قلمُ من حريتك , ما دمت كالنخلة تُساقط حبرا جنيا , على طلاب حقيقةٍ , ضاعت أو أُخفيَت ما بين أشواك العلّيق واشراك "المعربشين" على هاماتٍ لم ولن تنحني لالتقاط شيء من فتات موائدٍ أُسست على قهر المقهورين , واستضعاف المستضعفين.

   لا تخف يا قلمُ من حريتك , ما دام حِبرك مصنوعا من عُصارة عرق الجباه الممرّغة بتراب الكبرياء , والممزوج بعنفوان العقل المقيّد بسلاسل الجهل المطبق على الافق كله .

  ويلَهم ثمّ ويلهم اذا ما انسلّ اليَراعُ من قِراب دواةٍ قذفتْ حبرها حِمَما كالمُهلِ تشوي الوجوه وتُذيب حديث الافك , بعدما تحوّل الافْك رياحا اختلفت مَهابُّها .

    صُونوا الحرية كما صانها الله , وحافظوا على قيمتها الانسانية والدينية , وربّوا الناس على اساس الحرية كما أراد ربكم , ووجِهوهم اليها كما فعل أنبياءُ الله , لأن الحرية هي الانسان , والانسان هو الحرية , وبدونها يتحول الانسان الى كائن مشوّه لا علاقة له بالوجود , فاذا فقد الانسان حريته فقد وجوده , قال الشاعر العربي نزار قباني :

    "أنا حريتي فاذا سرقوها ,

     تسقط الارض كلها والسماء ".

   حتى الدين اعتبر الحرية شرطا من شروط التكليف الشرعي  , اذ ان التكليف الالهي للإنسان مبني على الاختيار ,"فمَنْ شاء منكم فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر" سورة الكهف 29, "كل نفس بما كسبت رهينة "سورة المدّثر 38, والثواب والعقاب عقديا , لا محل لهما اذا كان الانسان مجبرا على الفعل والترك , ولا يمكن لله أن يعاقب أو يثيب انسانا لا يملك حريته أثناء فعله , فيكون بها قادرا على الاختيار .

    لا تخف يا قلمُ من حِبرهم المسموم بسُمّ الاسطورة والخرافة , اذ ضَجِر منه الدين والزمن , السّمّالُ الذي يفقأ العيون بأقلام فارغة الا من حبر الاحبار والكهنة ,خُطّ يا قلم الحقيقة من حبرك منارة للأجيال , ونارا تُحرق الافكار العفنة , وأجعل وَهْجَك شُعلة للحرية تُضيء طريق المعرفة في زمن العهر والزيف .

  لا تخف يا قلمُ من حريتك , انك ما كنت لديهم اذ يُلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم ,وما كنت لديهم اذ يختصمون , ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك , أنّ سرّ خوفِهم منك هو  أنهم متّهمون ... خافوا من حريتك , قبل خوفهم من ربهم , خافوا من حريتك لأنهم خطّوا بأقلامهم كُتبا وقالوا هذا من عند الله , خافوا من حريتك لأنهم ملؤوا الدواة دما كذبا وألقوا باللوّم على الذئب , وصدّوا باب الحق بقميص أحلامهم المُبلل بدموع التباكي ثأرا من عدّو صنعوه من التمر , لكي يأكلوه اذا ما انقلب العدّو صديقا .

   خافوا على زعامتهم فباعوا حريتهم , واستلبوا عقول الناس بأساطيرهم وخرافاتهم وزعموا أن لله أندادا وما الله بغافل عما يفعلون , هم لا يستطيعون أن يفكروا , بل لا يريدون أن يفكروا , بل هم لا يجرؤون أن يفكروا , لأنهم ابتاعوا لأنفسهم أصناما عبدوها , وأفتوا لله بالرحيل واعتمدوا بذلك على رواية رواها صحابيّ جليل , هو أصدق من الانبياء برأيهم , لأنه خاطب أهواءهم فأرضاها .

 عذرا أيها القلمُ , قد أثقل قيدُهم كاهِلا صنعه الله لحمل أمانته , ستبقى أقوى منهم لأن الله معك...