ضربة جديدة يتلقاها العرب، فقرار ثلاث دول خليجية بسحب سفرائها من دولة قطر، مثّل صفعة قوية على رأس العرب، أينما ألقيت نظرة في أوطان العُرب، لا ترى غير التشرذم والتشتت، فيما الدول الأخرى المتجاورة تتكتل وتتوحد في اطار جغراسياسي رغم الاختلاف الثقافي، فيما العرب يمعنون تشرذما في تشرذمهم على الرغم من وحدة الهوية الثقافية. غدت كلمة العرب ولن أستخدم كلمة القومية العربية، بمثابة كلمة غير موجودة خارج مجلدات أرشيفية، فالعربي يذبح العربي، مرة بالسيف وأخرى بالسياسة، والاقتصاد، فمن المحيط الى الخليج، ذهب أسود في الأعماق، وأحمر قاني على وجه الأرض، هي مأساتنا، فحياتنا حصرت بين النفط والدم. بقي الأمل معلق على دول الخليج ذات العائدات المالية الكبيرة والميزانيات الفائضة بشكل مهول، يوازي هول الخراب الذي يؤم أرض لغة الضاد، أمل ما لبث أن تبدد، بعد كل ما تشهده الساحات خصوصا في سورية التي تذبح، والعراق المسلوب، ومصر المترنحة، ولبنان التائه، واليمن الحزين، والسودان المنفي، وليبيا المشلعة، وتونس المصارعة من أجل البقاء، فأتت الضربة القاضية لكل الحالمين بما تمثل بانفجار الخلاف والإختلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وشقيقتهم قطر من جهة أخرى، فكان قرار سحب الدول الثلاث سفرائها من قطر. هذا القرار جاء على خلفية اختلافات بين الدول الخليجية حول مواضيع خارج الخليج، خصوصا في حقبة ما بعد الربيع العربي، الدول الثلاث تعارض سلوك قطر تجاه ما يجري في المنطقة، لجهة دعمها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتونس وليبيا، بالإضافة الى دعمها الجماعات الإسلامية في سورية. سلوك قطر هذا يأتي في سياق بحثها عن دور إقليمي لها، فهي الطامحة للعب دور مقرر في سياسة المنطقة، قبل الربيع العربي كانت قطر أيضا معارضة لنهج دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، فكان لقطر علاقات أشبه بحلف مع النظام السوري وايران وحزب الله، وكانت توفر لهم دعما ماليا هائلا، وقد أخذت دورا ما في لبنان، لا سيما في إنجاز اتفاق الدوحة عام ٢٠٠٨، قطر الحالمة في لعب دور إقليمي لم تأخذ في عين الإعتبار صغر حجمها لجهة المساحة والسكان مقارنة مع الدول العربية الأخرى وأبرزها مصر التي تطمح الدولة الصغيرة صاحبة الإحتياط الهائل من الغاز الى تقرير مصيرها وإلحاقها بها، على الرغم من البراغماتية التي تحاول الإنطلاق منها في السياسة، وهذه البراغماتية تجلت بعد حراك الربيع العربي انقلبت قطر على حلفائها السابقين، ( دمشق وطهران) وتأثرا بركوب الادارة الأميركية الموجة الجديدة التي يفرضها الواقع المستجد، أعلنت الدولة الغنية والصغيرة دعمها للربيع العربي وركوبها موجة الثورات فأغدقت جماعة الإخوان المسلمين بدعم هائل سياسيا وماليا واعلاميا ومعنويا، إلا أن هذا النهج أثبت فشله بعد سنتين ففي مصر طافت الميادين بالملايين الرافضة لجماعة الإخوان المسلمين وسياستهم، وتمت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، كذلك في تونس، والأمر نفسه في سورية وان اختلفت الظروف، في ظل ارتفاع منسوب الدم فيما المعارضة مشتتة غير موحدة. لا تتأثر قطر فقط بالبراغماتية الأميركية، بل الإيحاء الإيراني بصراع المحافظين والإصلاحيين على النفوذ المقرر في ايران، تتأثر به أيضا قطر، فتوحي بأنها منذ حصول التغيير ومجيء الأمير تميم بن حمد ما زال يواجه صراع نفوذ مع الحرس القديم، وهذا ما يعيق تصحيح المسارات، أيضا من اسهامات التأثير الايراني على قطر، هو دعمها لجماعات مسلحة في مختلف الدول العربية ليكون لها دور بارز في اتخاذ القرار. هذا النهج المتبع يوضح مدى الطموح القطري للعب دور إقليمي كبير، لكنه لا يتناسب مع حجم الدولة، ويسبب في شرذمة ما تبقى من العرب، وهنا لا بد من وقفة عربية جريئة، تعيد النظر في كل السياسات المتبعة، لتعيد الإعتبار الى القيم العربية المشتركة، خصوصا في هذا الزمن الحرج، والمهدد بالزوال، وعلى الجميع النظر بواقعية للأمور، وللوقوف أمام حقيقة مفادها، أن ما من أحد يستطيع امتلاك القرار المصري، بل على الجميع دعم مصر والقيادة من خلفها، لأنها قاطرة الأمة العربية، نظرا لتاريخها وموقعها وحجمها، وينسحب هذا المسار التصحيحي ليؤثر ايجابا على كل الدول العربية، وتوظيف الثروات في خدمة مشروع عربي موحد، ينهض بهذه الأمة، ووحده الإنماء يوّلد الإنتماء الى الوطن العربي، وهذا ما يكفل مجابهة كل الأخطار المحدقة، وإن لم يحصل، فعلينا السلام.