الأنظار مشدودة الى روسيا، مترقبة ما الذي سيقدم عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حيال الوضع في أوكرانيا، وكيفية الإستفاقة من صدمة الصفعة التي تلقاها حاكم روسيا منذ ١٤ عاما، بعد تفجر الحراك في اوكرانيا وعزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.

كثر في لبنان والمنطقة يتوقون لمعرفة ما الذي سيفعله بوتين للرد على هذه الضربة، منهم من يريد أن يثبت صوابية إعجابه ببوتين ورؤيته في أنه الرئيس الذي أعاد أمجاد الاتحاد السوفييتي، وأنهى الأحادية القطبية وأعاد الإعتبار للثنائية، وآخرون يترقبون ليشاهدوا روسيا تتلقى الصفعات ما يأخذ لهم ثأرهم للموقف الروسي في سورية بالتحديد.

بعيد سقوط يانوكوفيتش، حرك بوتين جيشه الى إقليم القرم بحجة الدفاع عن الروس، وحماية المصالح الروسية، وبدأ التصعيد في المواقف بين موسكو وكييف حول التعبئة العامة، فيما أعلن عن استعداد القوات الروسية لاجتياح القرم وكييف، ولكن هذه المواقف الهجومية الروسية ما لبثت أن بدأت بالإنحسار، ووافقت روسيا على التشاور مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حول كيفية تفادي تدهور الأمور.

لا شك أن الصورة المعكوسة عن "روسيا بوتين" تتصف بالحزم، والعزم، والعنجهية، ويظهر بوتين نفسه ونظامه، المقدام غير المتراجع، وهذا ما جهد على إظهاره في تعاطي ديبلوماسية بلاده تجاه الأحداث السورية وثبات الموقف الروسي الداعم للأسد، إلا أن هذا المظهر بدأ يتهشم بالنسبة للبعض، فحماسة بوتين لاجتياح اوكرانيا خفتت، وبدأ يبحث عن مخارج لتفادي توجيه ضربة عسكرية على أوكرانيا. فالواقع لا يسمح للعنجهية، روسيا اليوم ليست الإتحاد السوفييتي، وهناك مخاطر كبيرة جدا ستواجه روسيا بحال أقدمت على ضربة عسكرية، وهي المخاطر لا شك تهدد بوتين ومستقبله، بداية، في استطلاع للرأي أجري في روسيا فأكثر من ٧٠ ٪ من الشعب الروسي يرفضون التدخل في اوكرانيا، ثانيا إن النمو الإقتصادي الروسي منخفض، وتعاني روسيا من وضع إقتصادي خانق، وبمجرد ما أعلنت موسكو عن عزمها التدخل في أوكرانيا حتى هبطت البورصة الروسية بنسبة ١٠ ٪ في يوم واحد أي تخطت الخسارة ال ٦٠ مليار دولار، كذلك هبط مستوى العملة الروسية ( الروبل) أمام الدولار، ثالثا هناك الكثير من الدول المتحالفة مع روسيا ترفض هذا التدخل العسكري في الشأن الاوكراني، كذلك فإن التدخل سينتج حراكا شعبيا عارما في أوكرانيا منددا بهذا التدخل وسيطالب روسيا بالإنسحاب لا سيما أن ٨٤،٥ ٪ من الأوكرانيين يرفضون التدخل ويعتبرون نفسهم مواطنين أوكرانيين على الرغم من أنهم يتكلمون باللغة الروسية، كذلك لا يمكن إغفال التهديدات الدولية خصوصا التي أطلقها كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بوجه روسيا، لمنعها من التدخل عسكريا، مهددين بفرض عقوبات إقتصادية على روسيا، وبعزلها دوليا.

في الأزمتين المتجليتين، في سوريا وأوكرانيا، تتبين حقيقة التعاطي الأميركي مع روسيا، فمرة تقدم واشنطن جزرة لموسكو، كما فعلت في سوريا وهذا ما يظهر من خلال التعاطي الأميركي مع الأزمة السورية في قراءة بالكتاب الروسي، ومرة أخرى ترفع واشنطن العصا بوجه موسكو مهددة وهذا ما حصل في اوكرانيا فأجبرت موسكو على التراجع عن الضربة العسكرية.

الواضح أيضا أن مصالح روسيا تعرضت لنكسة بسبب ما حصل في أوكرانيا، كما تعرضت لإهانة، جراء هذه الضربة، خصوصا أن التطور الأوكراني ألحق خسائر في الاقتصاد الروسي وتصاعدت اللغة المطالبة بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وهذا الذي تعتبره موسكو خطا أحمر. بعد ما تقدم يطغى المشهد الآتي، أن بوتين على الرغم من ظهوره مظهر الثابت والمندفع، إلا أنه ساعة الحقيقة يضطر الى التراجع، وأوباما على الرغم من أنه يبدو مترددا وغير مندفع، إلا أنه يتقدم ويحقق مبتغاه، فأظهر أوباما ترددا في تعاطيه مع ايران، إلا أنه في النهاية توصل معها الى اتفاق منعها عبر من إمتلاك سلاح نووي، وفي سورية حين حشر بتوجيه ضربة عسكرية ردا على استخدام السلاح الكيميائي قدم بوتين لأوباما ما يريده دون إطلاق رصاصة واحدة، فوافقت دمشق على التخلي عن سلاحها الاستراتيجي، في المقابل وأمام الواقع الأوكراني جل ما قدمه اوباما لبوتين، هو مبادرة للحوار، ونشر مراقبين دوليين، وهذا ما لن يعيد أوكرانيا الى الحضن الروسي كما سابقا،، فلا بد من التوقف أمام ثابتة ما زالت قائمة أن روسيا إمبريالية غير ناضجة ولم تنجح بعد، بل ما زالت تحت الجناح الأميركي.