·         ليس سهلا الحديث عن ما يتعلق بالدين , وخاصة اذا كان الحديث يدور حول المخيال الديني الشعبي الذي يصدق كل ما قيل أنه غيب وموصوف انه دين , حيث انه لا دليل عقلي على كل ما هو غيب لان طريق الغيب محصور بالوحي والموحى به والموحى له , وما بين ايدينا هو فقط الموحى به , وليس كل ما ادعي انه موحى به من روايات , واقع تحت مجهر التحقيق _ غير الكتاب الكريم _ اذ ان الاتفاق بين المسلمين واضح على صدقية القرآن الكريم , اي ليس كل ما ينقل من روايات وأخبار يمكن ان يعتبر صحيحا وبالتالي يمكن الاعتماد عليه كمعطى لتكريس أو تأسيس ثقافة دينية .

·          الاعتماد على الرواية من اجل تشكيل منظومة فكرية دينية هو منهج مذهبي خاص متعلق بمنهجية كل مذهب على حدا , لانه يوجد في التراث الاسلامي روايات لكل مذهب تشكلت من خلال ظروف تاريخية مذهبية أو قد تكون تشكلت بظروف سياسية تاريخية ( او مدرسية اي رواية مدرسية , وهذا مصطلح اعتمدته للتدليل على ان المدارس التاريخية التابعة لكل مذهب قد أسست رواية خاصة بها لتدعيم نظرية المذهب ) وليس منهج اسلامي جامع يرتجى منه تشكيل فكر ديني جامع , لان المنهج كي يكون اسلامي عام ينبغي ان يعتمد على ما هو متفق على صحته وصدقيته بين المسلمين , كي ينتج رؤية اسلامية دينية جامعة تكون المذاهب كلها مكوّن اساسي لهذه المنظومة .

·          قلّ ما تسمع آية من خطيب من على اي منبر كنت موجودا تحته , بقدر ما تسمع سيلا من الروايات والاخبار منسوبة اما الى رسول الله (ص) عبر وسائط كثيرة , أو منسوبة الى أحد الصالحين من السلف الصالح , ويجب عليك الاخذ بمضمون أي رواية يلقيها الخطيب مهما كانت تتضمن من خرافة أو اسطورة أو كذب واضح , لان التبرير للأخذ بها جاهز بتأويل قد أعده الخطيب ومَن خلفه , مثلا على ذلك انه يضيف الخطيب بحنكة لفظ " وكأني به " او " لسان حاله " وما شاكل من هذه الالفاظ التي يعتبرها الخطيب مبررا لكذبه على الناس , ويقول لك اذا ما حاولت الاعتراض على هكذا منهج منهيّ عنه دينيا لانه يكرس قيّم سيئة ويربي الناس على اساليب الباطل , بينما المطلوب اخلاقيا ودينيا ان يتربى الناس على اساليب الصدق والحق والعدل في اثبات مقولاتهم , وهذا هو اسلوب الانبياء والائمة , اذ ورد في الاثر ان الامام حعفر الصادق ع قد منع أحد الصحابة من اختراع ادلة على مقولات دينية اثناء حواراته مع المعارضين , حيث قال الامام لصاحبه هشام : مَه يا هشام فان في الحق سَعة , وهذه كانت اجابة على طلب هشام الاذن من الامام باختراع ادلة من أجل افحام الخصم .

·          قد يقول قائل معترضا بانني قد وقعت في نفس الاسلوب الذي اعترض عليه وهو الاستدلال برواية عن الامام الصادق , فانا لم اجعل هذه الحكاية التي سردتها دليلا بقدر ما قصدت منها ان تكون مؤيدا فقط . انما اقول ما اقوله لانني اعتبر ان الاعتماد على الرواية فقط من قبَل المذاهب قد ينسخ عبر التزامن ثوابتا دينية وقيّما أخلاقية قد أكد عليها القرآن الكريم , وابرز دليل قرآني على ما نقول : قول الله تعالى في سورة المائدة آية 8 " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون " .

·          ان هذا النص القرآني قد جعل العدل معيارا وأمر الناس بان يكونوا مع العدالة والعدل اينما كان العدل واينما وقع العدل على القريب او على البعيد على الصديق او على العدو , لان العدل قيمة بذاته وحُسنه ذاتي لا ينفك عنه . فلا يجوز ان يتناغم مفهوم العدل مع ما يراه البعض ويشخصه من مصلحة , فيكون العدل حينئذ خاضع للسائد السياسي فيصبح الظلم عدلا بنظر البعض والعدل ظلما بنظر البعض الاخر , فخطورة هذا المنهج انه لا يبقي ثابتة قيمية يقاس عليها السلوك الانساني , وقد لا تجد معيارا ترجع اليه للتمييز بين العدل والظلم , وقس على ذلك النظم الاخلاقية والقيمية .وهذا موضع خلاف مهم ,عليه يدور نقاش العدالة المطلوبة .