تنظر إليه فتظنه ثكنة عسكرية، وليس مركزا دينيا، فما يحيطه يجعلك تفكر أن على جبهة القتال، حيث المكعبات الإسمنتية، والمتاريس والسياج الشائك ذات الارتفاع الشاهق يطوقونه.

هذا هو حال المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى على طريق المطار في ظل الأوضاع الامنية الراهنة، وبعد التفجيرات التي استهدفت الضاحية الجنوبية.

منذ شهر ونصف، والمجلس مشلول، نشاطه متوقف، ولا من يحضر ولا من يسير الأمور، إن كان من أمور أو اعمال وجب إنجازها.

نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الامير قبلان لا يحضر الى المجلس، كذلك جميع الموظفين الذين يزورون مقر عملهم أقل من ساعة يوميا ولا يداومون، كل ذلك بحجة الاوضاع الامنية، هذا ما أخبرني به أحد المشايخ ذات الإطلاع الواسع على شؤون المجلس مضيفا ان احد المفتين مازحه قائلا:" يريد تحول المجلس الى مزرعة دجاج، لذلك لم يعد من عمل هنا، ألم ترى هذا السياج؟"

فما الذي يجري في المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى؟

كثيرون في لبنان يستغربون كيف أن الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس يتبوأ منصب رئاسة هذا المجلس منذ العام ٢٠٠١ بعدما كلف بمهام الرئاسة عقب وفاة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ومنذ ذلك الحين لم تجر الإنتخابات علما أن انتخابات الهيئة الشرعية في المجلس لم تحصل منذ العام ١٩٧٥.

مرجع بارز داخل المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، يفيد ل"لمدن" أن هناك خطة إصلاح معدة له من قبل القوى السياسية خصوصا بعد روائح الفساد التي فاحت منه:" بعد الصفقات الفاسدة التي افتضحت، تم إعداد خطة إصلاح للمجلس، إذ تم إنشاء إدارة خاصة للأوقاف ترأسها المحامي محمد حرب من أجل الإشراف على تأجير واستثمار الأملاك وذلك منذ حوالى السنتين، بالإضافة الى الإشراف العام على جميع الإدارات، كما جرى تعيين القاضي الشيخ عبد الحليم شرارة في مركز مدير التبليغ الديني، للإشراف على عمل رجال الدين وتخصيصهم برواتب رمزية مقابل أعمالهم التبليغية، وفيما يختص بأمور الحج حيث كانت الفوضى تعم هذه الدائرة جرى تسليمها لقاض يتمتع بسمعة جيدة وهو الشيخ عبد الله شعيتو الذي قام بمكافحة المحسوبيات والوساطات التي كانت سائدة للحصول على تأشيرات الحج."

متابعة هذا الملف أسندت الى الشيخ حسن شريفة المقرب من الرئيس نبيه بري وقد كلفه الأخير بالإشراف على عمل هذه الادارات وتطبيق الاصلاحات كما يجب، في أروقة المجلس يحكى أن الرئيس بري يحضر الشيخ شريفة لتبوء مركز نائب الرئيس على أن يصبح الشيخ عبد الأمير قبلان هو الرئيس الأصيل، في حال اتفق قطبا الطائفة الشيعية أي حركة أمل وحزب الله على إجرائها توافقيا كما يشاع.

هذه الخطة تفضي الى تقليص نفوذ آل قبلان بسبب الفساد الذي طغى، وأبرز هذا التقليص هو ان علي نجل الشيخ عبد الأمير لم يعد يتردد الى المجلس ولم يعد رئيساً لمركز الدراسات والتوثيق فيه، ويؤكد المصدر ان الشيخ قبلان ارتضى أن يبقى الواجهة السياسية والفقهية للمجلس دون أن يكون له دور فاعل داخل مرافق المجلس الحيوية.

هذه الخطوة تأتي بعدما طاف المجلس بالفساد إذ يفيد مصدر بارز "المدن" أن الفساد مستشر على أكثر من صعيد وخصوصا فساد جمركي حيث يتم استيراد كميات كبيرة وضخمة من سلع مختلفة على اسم المجلس الذي لا حاجة له بها ولكن للتهرب من الرسوم الجمركية، ويقول المصدر:" أغلب السلع المستوردة تستثمر في التجارة، فشركة وعد التابعة لحزب الله والتي كلفت بإعادة إعمار الضاحية استوردت جميع مواد البناء على اسم المجلس، أيضاً تم إستيراد كميات كبيرة من المكيفات لاستثمارها في التجارة أدخلت على اسم المجلس لقاء رشوة، ومنذ فترة تم إدخال كميات من السجاد العجمي على اسم المجلس وكانت قيمة الرسوم الجمركية حوالى المليون دولار إلا أنها أعفيت من الرسوم لقاء رشوة قدرها ٣٠٠ ألف دولار." بالإضافة الى الفساد الجمركي يشير المصدر الى الفساد على مستوى الأوقاف ويقول:" الشيخ عبد الأمير قبلان باع أرض مسجد الدكوانة بصورة غير شرعية وغير قانونية."

وهنا يسأل متابع، هل أن تغيب الشيخ عبد الامير قبلان عن المجلس هو حقا بذريعة أمنية، أم هذا ما تقتضيه خطة الإصلاح؟