من أخطر مخاطر التطرف أن يختصر ناس في الشرق أو في الغرب صورة الدين والإنسان في حدود ما يؤمنون به من فلسفة هذا الدين وهذا الإنسان بتقديس الطائفية التي لم تفصل بعد الجانب الإلهي عن الجانب البشري من الدين، ويذهب كثير من الباحثين في دراساتهم عن عوامل العنف الديني إلى أن ظاهرة التطرف بما تحمله من مضاعفات وأخطار وعواقب وخيمة على المجتمعات شدت إليها البحث العلمي الذي رصد منطلقاتها وأرجعها إلى عوامل عديدة ومن أبرزها تسييس الدين


والسؤال الآن: إذا كان القرآن الكريم كتاب هداية ووسطية وإذا كان القرآن صريحاً في آياته البيّنات بنقد التطرف الديني والمغالاة في الدين، «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا»- (المائدة 77) فمن أين وكيف نشأت ظاهرة التطرف الديني في واقعنا العربي والإسلامي؟ ‏
كتمهيد للإجابة عن هذا السؤال سأقف على عامل واحد من عوامل تلك النشأة حيث يبدو لي أن التطرف في الدين لا يقتصر على الجانب العملي من ضروب وعي التدين فمن أول تاريخ النص الديني نجد التخبط في تأويل النصوص تأويلاً يتعجل بإطلاق ـ المفاهيم الدينية ـ على غير مسمياتها وكأن ثمة فجوة ما داخل النص تغري بعض المتكلمين باسم الدين باستغلالها لأغراض سياسية وطائفية تنتهي بتأليب تناقضات الرؤى الدينية إلى استباحة القتل وسفك الدماء باسم الدين. ما يعني أن التطرف في الدين ينشب أول الأمر على فهم النص ثم يتحول العراك على فهمه إلى ساحات العنف والعنف المضاد، فليس من التطرف أن يؤمن المؤمن بمذهب فقهي دون سائر المذاهب لكنه ينقلب متطرفاً إذا هو أراد أن يفرض على الآخرين اعتناق مذهبه باستخدام وسائل القوة. وها هنا تبدأ خطورة التطرف ويبدأ معها البحث عن مهمات المجتمع لمواجهة هذا النمط من إرهاب الدين باسم الدين، ولم أجد في ظاهرة اللجوء إلى الغلظة والعنف تحت لافتات الدين و شعاراته إلا تعبيراً عن ظاهرة تسييس الدين تمثل في تحريف شعار ـ لا حكم إلا لله ـ منذ بدايات الخوارج الأولى وحتى راهننا المعاصر فلم نلتفت إلى أن التحاكم إلى الله ورسوله بحسب القرآن كان بهدف التأسيس لمرجعية العقل والعدالة في مقابل الموروثات الوثنية التي كانت تتحاكم فيما بينها على مرجعيات التعصب للقبيلة، فكانت الجاهلية قبل الإسلام تقدس حاكمية القبيلة بمناصرتها ظالمة أو مظلومة دون أي بصيرة لتفهم معيارية الحق والباطل، فكان لابد من استبدال هذه النزعة بمفهوم الركون إلى ولاية الله ورسوله فيما يمثلان من قيمة عليا لمرجعية الحق والعدالة والانتصاف للمظلوم من الظالم.