تستمر الثورة السورية بإسقاط اوراق التوت عن تحالفات مشبوهة بين من يظهرون أعداء وهم في الجوهر حلفاء، وتستمر بفضح العلاقات والتقاء المصالح بين دول وأخرى، ودول وتنظيمات.

ما شهدته الساحة السورية مؤخرا من انتفاضة للجيش الحر على تنظيم القاعدة الذي جهد بمساعدة اطراف إقليمية على ضرب الحراك الشعبي السوري المطالب بالحرية، هو الوجه الجلي على أحقية هذه الثورة والحرص على عدم انجرافها وشيطنتها.

بعد الجولة الاولى من مفاوضات جينيف 2 وتقديم الائتلاف الوطني السوري المعارض لأدلة وقرائن دامغة حول تورط النظام السوري بمجازر حرب، وعن علاقته بتنظيم القاعدة ( داعش) ودعمه لها ماليا وعسكريا ولوجستيا، هذه الإثباتات دفعت بوزارة الخزانة الاميركية الى إنزال عقوبات ضد ايران حول ما اثبت عن دعمها لتنظيم القاعدة خصوصا في سورية. وعلى ابواب الجولة الثانية من مفاوضات جينيف 2 يستعد الإئتلاف المعارض لتقديم المزيد من الادلة حول هذا التورط.

هذا الإجراء المدعم بأدلة كانت معلومة، يضيف الى فضائح الخطاب الايراني والخطاب السوري ومن يدور في فلكهما، وهنا لا بد من الإشارة الى العلاقة العميقة والوطيدة بين ايران وهذا التنظيم الارهابي الذي على الرغم اختلافها معه إلا انها وفرت له ملجأ آمنا،واستثمرته في العديد من حروبها.

وهنا يبرز السؤال: لماذا لم يقم تنظيم القاعدة أو أحد افرعه بتوجيه أي ضربة في ايران او للمصالح الايرانية، او حتى على الأقل لم يقم بأي نشاط داخل ايران؟

ايران التي تعمل تاريخيا قبل الثورة الاسلامية وحتى اليوم الى لعب دور إقليمي في المنطقة، إن لم نقل محاولة السيطرة عليها، وجدت في اختراقها لتنظيم القاعدة اداة اساسية من ادوات تحقيق هذا الحلم، وهذا ما تكشف بعد حرب أفغانستان، والعراق، والآن في ضرب الثورة السورية، أغدق النظام الايراني على بعض الجهات الفاعلة داخل تنظيم القاعدة الكثير من المال، ووفرت لأبرز قادة التنظيم مأمن داخل اراضيها، ووظفت هذا الدعم في ما تسديه القاعدة لايران من تغذية للبروباغاندا الايرانية في مواجهة الارهاب والتكفيريين، بينما القاعدة أرادت أن يكون لها ملجأ ودولة تحميها وتسهل إنتقالها الى أفغانستان والعراق، لا سيما بعد نجاح القوات الاميركية في اغتيال قادة من تنظيم القاعدة احتلت ايران أهمية اساسية لصالح القاعدة حيث لجا معظم قادة هذا التنظيم الى ايران لضمان بقائهم على قيد الحياة.

في العراق غذت ايران الحرب المذهبية بين السنة والشيعة، واستثمرت في العمليات الانتحارية التي تقوم بها القاعدة لتخويف شيعة العراق، الذين سيلجأون اليها لحمايتهم، وما يسهم بإفتضاح هذا التعاون والتنسيق هو الجهد الايراني المبذول لبقاء تنظيم القاعدة محكم السيطرة على محافظة نينوى بالتنسيق مع حكومة نوري المالكي، وذلك بغية توجيه الاتهام دوما الى الارهاب السني، اما في محافظات اخرى خصوصا حيث تسيطر بعض العشائر السنية ومجموعات الصحوة والتي كانت تمتلك سلاحا بنسبة قليلة فاستطاعت طرد القاعدة. في سورية وبعد الحراك الشعبي وانطلاق الثورة، جهدت ايران والنظام السوري على ضرب هذا الحراك ووصفه بالحراك الارهابي التكفيري وعمل على عكس صورة للغرب ان ما يجري ليس مطالب شعبية بل مؤامرة ارهابية من القوى التكفيرية، فأصدر النظام السوري عفوا عاما عن جميع معتقلي القاعدة لديه والذي كان يرسلهم في وقت سابق الى العراق للقيام بعمليات هناك، وهو على يقين بانهم سيتكفلون بحرف الثورة وضرب الحراك، وهنا لا يمكن إغفال كيف سلمت القوات العسكرية السورية محافظة الرقة للدولة الاسلامية في العراق والشام ( داعش) بطريقة سلمية، ويقوم النظام يدعمها على الصعد كافة وهذا ما اصبح مؤكدا، اذ لم يقم النظام بتوجيه أي ضربة للمجموعات القاعدية، بل يمعن فقط في تدمير سورية على رؤوس المدنيين الابرياء.

 ومن ابرز الادلة على التنسيق المباشر بين ايران والنظام السوري مع القاعدة يأتي تصريح وزير الإعلام في دولة العراق الاسلامية والتي اصبحت بعد الثورة السورية دولة الاسلام في العراق والشام أي (داعش) محارب الجبوري كشف عن اجتماع عقد بين قادة من تنظيم القاعدة مع ضباط ايرانيين في حلب، وبعدها تمت تصفية الجبوري في العراق، كذلك لا يمكن إغفال التقارير التي اكدت ان المواقع الالكترونية التابعة للقاعدة او الناطقة باسمها تبث من مؤسسة الفاروق في دمشق، هذا بالإضافة الى ما اعلنه رئيس اللجنة الشرعية للتنظيم أبو حفص الموريتاني أن ابرز قادة تنظيم القاعدة كانوا داخل ايران ويحظون برعايتها ومنهم محمد المصري وهو مهندس عمليات القاعدة، وسيف العدل وهو من أبرز الشخصيات الاستخباراتية في التنظيم، ويشير الموريتاني الى أن أعدادا كبيرة من تنظيم القاعدة تلقوا تدريبات في مدينة ( تنكه كنش) في إقليم كمنشاه الايراني ليتم ارسالهم فيما بعد الى سورية.