في مراقبة ومتابعة لأحوال ثلاث دول شكلت أقطابا في سيطرة الإسلام السياسي على الحكم فيها، يبرز جليا أن الشعب هو الدولة والقانون وليس التنظيم الاسلامي الذي منح نفسه حق الحكم باسم الله ودينه. على مدى أكثر من نصف قرن، بنت جماعة الإخوان المسلمين ومتفرعاتها بتسميات متعددة، أمجادا إفتراضية على الصعيد الشعبوي، إذ كانت تطرح نفسها المخلصة للشعوب والرافعة عنهم كل قهر وظلم، وهي الكفيلة بمنحهم حقوقهم السياسية والاقتصادية والإجتماعية، بحال تسلمها لأنظمة الحكم، هكذا وانطلاقا من هذه الديماغوجية كانت نظرة فئات واسعة من الشعب تشخص نحو الإخوان المسلمين،للحصول على هذه الحقوق. هذا المجد الافتراضي والذي عجزت عن هدمه أو زعزعته كل القوى المناهضة لبانيه، تحول الى هباء منثورا في ثلاث سنوات، ومن تكفل بنثره هم الإخوان المسلمون أنفسهم. سنة تسلمت خلالها جماعة الإخوان المسلمين في مصر مقاليد السلطة، كانت كفيلة بفضح خطاب الجماعة، وبإسقاط ورقة التوت عنها، وتعريتها من بريق طروحاتها، اذ فشل الرئيس المعزول محمد مرسي من تقديم أي جديد يرضي الجماهير الثائرة والتواقة الى الحرية والعدالة الإجتماعية، وبدلا من اهتمام مرسي بالشأن المعيشي والاقتصادي الاجتماعي، جهد على تعيين أبناء حزب الحرية والعدالة في مناصب الدولة، وزاد حجم البطالة والفقر تراجع حجم الاستثمارات، ما شكل واقعا اقتصاديا اجتماعيا ضاغطا على فئات الشعب المصري، فما كان من هذا الشعب إلا تجديد عهد ثورته والتجمهر مجددا للإطاحة بحكم الإخوان. في تونس لم يكن حال حركة النهضة الاسلامي، التي كانت تسيطر على الحكومة، أفضل حالا منه في مصر، فلم تهدأ الشوارع التونسية طيلة فترة تولي النهضة للحكم، فالأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية المتردية في عهد حكومة النهضة كانت كفيلة بتنامي المعارضة للسياسة التي تتبعها الحكومة، ناهيك عن تدهور النمو الاقتصادي الى أقل من ٣ ٪ بالإضافة الى ارتفاع نسبة البطالة الى أكثر من ١٦ ٪ فيما معدل الفقر ارتفع بحدة. هذه البينات أبقت الغضب مزخوم في نفوس التونسيين الذين بقيوا على مطالبهم وصرخوا في التظاهرات لتحقيقها، فما كان من السلطة الحاكمة تقديم تنازلات وتشكيل حكومة جديدة، ناهيك عن التوصل لإقرار دستور جديد للبلاد الخضراء يجاري الدساتير الغربية لجهة احترام حقوق المرأة الاجتماعية والسياسية، بينما تنازلت حركة النهضة عن فصل " تجريم التكفير" من الدستور، فعاد الربيع الى مسلكه الصحيح في هذه الخطوة. أما في تركيا وهي النموذج الثالث في هذا المقال، وهي التي قدمت نفسها راعية لتصاعد دور الاسلام السياسي في كل من مصر وتونس، كادت حكومة حزب العدالة والتنمية الاسلامي أن تهوي بفعل فضائح الفساد، ولكن لا بد هنا من ذكر النمو والرخاءالاقتصاديين الذين حققتهما سياسة حزب الحرية والعدالة في السلطة، إلا أنه منذ بزوغ فجر الربيع العربي قاد عدم وضوح رؤية واستراتيجية تركيا الخارجية الى العديد من الاهتزازات في الموقف التركي، تجلى أبرزها حول الثورة السورية اذا فرضت ديماغوجية اردوغان خطابا لم يستطع تحقيق أدنى نقطة فيه، بالإضافة الى موقفه المعادي للسلطة الانتقالية في مصر بعيد الإطاحة بمرسي. أما على الصعيد الداخلي فبرزت التظاهرات ضد حكومة اردوغان على خلفية هدم حديقة تقسيم وتحويلها الى مسجد إضافة الى قرار حظر الكحول في الأماكن العامة وبعدها فضائح الفساد التي أبرز أبطالها وزراء في الحكومة ونجل أردوغان. وتكشف اتطلاعات الرأي الأخيرة في تركيا أن شعبية أردوغان تراجعت الى ٣٩،٤ ٪ بعدما كانت ٧١،١ ٪ عام ٢٠١١. أحداث هذه الدول الثلاث توضح أن الاسلام السياسي فعل بنفسه ما لم يستطع فعله أحد، وتثبت أن الشعب لديه مطالب محددة أهمها الحرية السياسية والعيش الكريم بأمان، هذه المطالب لن يحيد عنها قبل تحقيقها، وأيا كانت الحكومات المتسلمة لزمام السلطة، فإن لم تلبي مطالب الشعب مصيرها سيشبه مصير سابقتها.